شباب عائلة العزازى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


اجتماعى /ثقافى /علمي /ترفيهي
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 صول مذهب الشيعة الإمامية الإثني عشرية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أ/علوي نصر العزازي

أ/علوي نصر العزازي


عدد المساهمات : 18
تاريخ التسجيل : 15/03/2011

صول مذهب الشيعة الإمامية الإثني عشرية Empty
مُساهمةموضوع: صول مذهب الشيعة الإمامية الإثني عشرية   صول مذهب الشيعة الإمامية الإثني عشرية I_icon_minitimeالخميس مارس 17, 2011 5:09 pm

أصول مذهب الشيعة الإمامية الإثني عشرية
عرض ونقد
تأليف
دكتور ناصر بن عبد الله بن علي القفاري
المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
وبعد..
فإن من أصول الإسلام العظيمة الاعتصام بحبل الله جميعاً وعدم التفرق قال تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ} [آل عمران، آية: 103] وقال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} [الأنعام، آية: 159].
وقد كان المسلمون على ما بعث الله به رسوله من الهدى ودين الحق الموافق لصحيح المنقول وصريح المعقول، فلما قتل عثمان - رضي الله عنه وأرضاه - ووقعت الفتنة، فاقتتل المسلمون بصفين، مرقت المارقة [المارقة: لقب من ألقاب الخوارج، والخوارج: هم الذين خرجوا على علي - رضي الله عنه - بعد التحكيم، فقاتلهم علي يوم النهروان، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتالهم في الأحاديث الصحيحة، ففي الصحيحين عشرة أحاديث فيهم، أخرج البخاري منها ثلاثة، وأخرج مسلم سائرها (شرح الطحاوية ص 530) وساقها جميعاً ابن القيم في تهذيب السنن: 4/148-153، وانظر في عقائدهم وفرقهم: الفرق بين الفرق، ص72 وما بعدها، الملل والنحل : 1/146 وما بعدها، الفصل : 5/51-56.] التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: "تمرق مارق على حين فرقة من المسلمين، يقتلهم أولى الطائفتين بالحق" [انظر: صحيح مسلم (بشرح النووي) كتاب الزكاة، باب ذكر الخوارج وصفاتهم: 7/168] وكان مروقها لما حكم الحكمان، وتفرق الناس على غير اتفاق.
ثم حدث بعد بدعة الخوارج بدع التشيع [انظر: منهاج السنة لابن تيمية: 1/218-219]، وتتابع خروج الفرق، كما أخبر بذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم [انظر: ص (112) هامش رقم (4).]. وقد خرج التشيع من الكوفة [مجموعة فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية: 20/301.]، ولذلك جاء في أخبار الشيعة بأنه لم يقبل دعوتهم من أمصار المسلمين إلا الكوفة [بحار الأنوار: 100/259.]. ثم انتشر بعد ذلك في غيرها، كما خرج الإرجاء أيضاً من الكوفة، وظهر القدر، والاعتزال، والنسك الفاسد من البصرة، ظهر التجهم من ناحية خراسان.
وكان ظهور هذه البدع بحسب البعد عن "الدار النبوية" [مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية: 20/300-301.] لأن البدعة لا تنمو وتنتشر إلا في ظل الجهل، وغيبة أهل العلم والإيمان، ولذلك قال بعض السلف: من سعادة الحدث والأعجمي أن يوفقهما الله للعالم من أهل السنة [شرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي: 1/60 ، والقول لأيوب السختياني.]؛ وذلك لسرعة تأثرها هؤلاء بأعاصير الفتنة والبدعة لضعف قدرتهم على معرفة ضلالها، واكتشاف عوارها، ولذا فإن خير منهج لمقاومة البدعة، ودرء الفرقة، هو نشر السنة بين الناس، وبين ضلال الخارجين عنها، ولذلك نهض أئمة السنة بهذا الأمر، وبينوا حال أهل البدعة، وردوا شبهاتها، كما فعل الإمام أحمد في الرد على الزنادقة والجهمية، والإمام البخاري في الرد على الجهمية، وابن قتيبة في الرد على الجهمية والمشبهة، والدارمي في الرد على بشر المريسي وغيرهم.
ولا شك بأن بيان حال الفرق الخارجة عن الجماعة، والمجانبة للسنة ضروري لرفع الالتباس، وبيان الحق للناس، ونشر دين الله سبحانه، وإقامة الحجة على تلك الطوائف، ليهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حيّ عن بينة، فإن الحق لا يكاد يخفى على أحد، وإنما يضلل هؤلاء أتباعهم بالشبهات والأقوال الموهمة، ولذلك فإن أتباع تلك الطوائف هم ما بين زنديق، أو جاهل، ومن الضروري تعليم الجاهل، وكشف حال الزنديق ليعرف ويحذر.
وبيان حال أئمة البدع المخالفة للكتاب والسنة واجب باتفاق المسلمين "حتى قيل لأحمد بن حنبل: الرجل يصوم ويصلي ويعتكف أحب إليك، أو يتكلم في أهل البدع؟
فقال: إذا قام وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه، وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين، هذا أفضل.
فبين أن نفع هذا عام للمسلمين في دينهم من جنس الجهاد في سبيل الله، إذ تطهير سبيل الله ودينه ومنهاجه وشرعته، دفع بغي هؤلاء وعدوانهم على ذلك واجب باتفاق المسلمين، ولولا من يقيمه الله لدفع ضرر هؤلاء لفسد الدين، وكان فساده أعظم من فساد استيلاء العدو من أهل الحرب، فإن هؤلاء إذا استولوا لم يفسدوا القلوب وما فيها من الدين إلا تبعاً، وأما أولئك فهم يفسدون القلوب ابتداء" [ابن تيمية/ مجموعة الرسائل والمسائل: 5/110.].
وقد وجد العدو المتربص بالأمة في هذه الفرق الخارجة عن الجماعة، وسيلة لإيقاع الفتنة في الأمة، ولا يبعد أنه اليوم يريد أن يستثمر هذه المسألة لمواجهة بوادر البعث الإسلامي المتنامي في أرجاء المعمورة، والوقوف في وجه الصحوة الإسلامية التي امتدت إلى عقر داره، وهو يتخذ من تقارير مستشاريه - الذين يهتمون أبلغ الاهتمام بتاريخ تلك الطوائف وعقائدهم - منهجاً يحتذيه في علاقته مع المسلمين ودولهم.
ولذا نلحظ أنه يغذي بعض هذه الطوائف، ويهيئ الوسائل لوصولها لدفة الحكم والتوجيه.
ولا شك أن بيان الحق في أمر هذه الفرق فيه تفويت للفرصة أمام العدو لتوسيع رقعة الخلاف واستمراره؛ فإن ترك رؤوس زنادقة البدع يسعون لإضلال الناس، ويعملون على تكثير سوادهم، والتغرير بأتباعهم، ويدعون أن ما هم عليه هو الإسلام، هو من باب الصد عن دين الله وشرعه، حتى أن من أسباب خروج الملاحدة ظنهم أن الإسلام هو ما عليه فرق أهل البدعة، ورأوا أن ذلك فاسدٌ في العقل فكفروا بالدين أصلاً.
ومعظم الفرق التي خرجت عن الجماعة ضعف نشاطها اليوم، وفتر حماسها وتقلص أتباعها، وانكفأت على نفسها، وقلت منابذتها أهل السنة.
أما طائفة الشيعة فإن هجومها على أهل السنة، وتجريحها لرجالهم، وطعنها في مذهبهم، وسعيها لنشر التشيع بينهم يزداد يوماً بعد يوم.
ولعل طائفة الاثني عشرية هي أشد فرق الشيعة سعياً في هذا الباب لإضلال العباد إن لم تكن الفرقة الوحيدة التي تُكثر من التطاول على السنة، والكيد لها على الدوام مما لا تجده عند فرقة أخرى.
ولقد كانت صلتي بقضية الشيعة تعود إلى مرحلة "الماجستير"، حيث كان موضوعها "فكرة التقريب بين أهل السنة والشيعة" وبعد أن انتهيت من دراسة مسألة التقريب، رغبت أن أتجه في دراستي للدكتوراه إلى تحقيق بعض كتب التراث، وتقدمت إلى القسم بطلب الموافقة على تحقيق الجزء الأول "الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح" لشيخ الإسلام ابن تيمية، ولكن أشار عليّ بعض الأساتذة الفضلاء في القسم وخارجه بالاستمرار في دراسة قضية الشيعة؛ لأهميتها وضرورة دراستها دراسة علمية موضوعية.
وبعد الاستشارة والاستخارة عقدت العزم على أن أدرس العقائد الأساسية للمذهب الاثني عشري، وأنا على علم بأن الجهد الذي يتطلبه هذا الموضع يفوق الموضوع الأول كثيراً، لأنني - كما سيتبين - أمام دارسة دين بأكمله، لا كتاب شخص واحد.
وقد اخترت طائفة الاثني عشرية بالذات من بين طوائف الشيعة لعدة أسباب، منها:
أولاً: أن هذه الطائفة بمصادرها في التلقي وكتبها، وتراثها تمثل نحلة كبرى، حتى أنهم يسمون مسائل اعتقادهم "دين الإمامية" [الاعتقادات لابن بابويه يسمى "دين الإمامية" انظر: (الفهرست للطوسي: ص189، أغا بزرك/ الذريعة: 2/226).] لا مذهب الإمامية، وذلك لانفصالها عن دين الأمة، وبحسبك أن تعرف أن أحد مصادرها في الحديث عن الأئمة يبلغ مائة وعشرة مجلدات وهو "بحار الأنوار" لشيخهم المجلسي (ت1111ه‍).
ثانياً: اهتمام هذه الطائفة بنشر مذهبها والدعوة إليه، وعندها دعاة متفرغون ومنظمون، ولها في كل مكان (غالباً) خلية ونشاط، وتوجه جل اهتمامها في الدعوة لنحلتها في أوساط أهل السنة، ولا أظن أن طائفة من طائف البدع تبلغ شأو هذه الطائفة في العمل لنشر معتقدها والاهتمام بذلك .
هي اليوم تسعى جاهدة لنشر "مذهبها" في العالم الإسلامي، وتصدير ثروتها، وإقامة دولتها الكبرى بمختلف الوسائل.
وقد تشيع بسبب الجهود التي يبذلها شيوخ الاثني عشرية الكثيرُ من شباب المسلمين.. ومن يطالع كتاب "عنوان المجد في تاريخ البصرة ونجد" يهوله الأمر، حيث يجد قبائل بأكملها قد تشيعت.
وقد تحولت سفارات دولة الشيعة في إيران إلى مركز للدعوة إلى مذهبها في صفف الطلبة، والعاملين المسلمين في العالم. وهي تهتم بدعوة المسلمين أكثر من اهتمامها بدعوة الكافرين [انظر سبب ذلك في ص ( 714-715) من هذه الرسالة، ومجموع فتاوى شيخ الإسلام: 28/478.].
ولاشك أن المسؤولية كبيرة في إيضاح الحقيقة أمام المسلمين. ولاسيما الذين دخلوا في سلك التشيع حباً لأهل البيت واعتقادهاً منهم أن هذا الطريق عين الحق، وطريق الصدق.
ثالثاً: أن هذه هي الطائفة الشيعية الكبرى في عالم اليوم، وقد احتوت معظم الفرق الشيعية التي وجدت على مسرح التاريخ، تمثل مصادرها في التلقي، خلاصة أفكار الاتجاهات الشيعية المختلفة ومستقرها التي ظهرت على امتداد الزمن، حتى قيل بأن لقب الشيعة إذا أطلق لا ينصر إلا إليها.
رابعاً: هذه الفرقة لها اهتمام دعائي في الدعوة للتقارب مع أهل السنة، وقد أقامت المراكز، وأرسلت الدعاة، وأنشأت الجمعيات التي ترفع شار الوحدة الإسلامية [انظر: "فكرة التقريب بين أهل السنة والشيعة": ص 511 وما بعدها.].
خامساً: هذه الطائفة تكثر من القول بأن مذهبها لا يختلف عن مذهب أهل السنة، وأنها مظلومة ومفترى عليها، ولها اهتمام كبير بالدفاع عن مذهبها، ونشر الكتب والرسائل الكثيرة للدعاية له، وتتبع كتب أهل السنة ومحاولة الرد عليها، مما لا يوجد مثله عند طائفة أخرى.
سادساً: كثرة مهاجمة هذه الطائفة لأهل السنة، ولا سيما صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطعنها في أمهات كتب المسلمين، عبر مؤلفاتهم التي يخرج سنوياً العشرات من الكتب.. كذلك مهاجمتها بعنف وضراوة لكل من يكتب عنها أو يتعرض لمذهبها بالنقد، تحت ستار أن هذه الكتابات تعيق التقريب، وتعرقل مساعي الوحدة الإسلامية، فانصرفت أكثر الأقلام عن الكتابة عنها.
سابعاً: استرعى انتباهي تضخم الخلاف حول حقيقة الاثني عشرية لدى الكتاب المعاصرين:
فمن فريق يرى أنهم كفرة، وأن غلهم تجاوز الحدود الإسلامية، كما في كتابات الأستاذ محب الدين الخطيب، وإحسان إلهي ظهير، وإبراهيم الجبهان [انظر: الخطوط العريضة للخطيب، والشيعة والسنة لإحسان إلهي ظهير، وتبديل الظلام للجبهان.] وغيرهم.
وفريق يرى أن الاثني عشرية طائفة معتدلة لم تجنح إلى الغلو الذي وقعت فيه الفرق الباطنية، مثل: كتابات النشار، وسليمان دنيا، ومصطفى الشكعة [نشأة الفكر الفلسفي للنشار، الجزء الثاني ص13، والشيعة وأهل السنة سليمان دنيا، و إسلام بلا مذاهب لمصطفى الشكعة ص 194.] وغيرهم.
وفريق ثالث التبس عليه الأمر حتى ذهب يستفتي شيوخ الشيعة الاثني عشرية فيما كتبه عنهم إحسان إلهي ظهير، ومحب الدين الخطيب، كما تجد ذلك فيما كتبه البهنساوي في "السنة المفترى عليها".
ومن خلال هذه الاختلافات قد تضيع الحقيقة، أو تخفى على الكثير.
ولذلك فقد راعيت في هذه الرسالة – ولا سيما في باب الشيعة المعاصرين - الاستماع إلى أصوات الشيعة المدافعين عن مذهبهم والناقدين لما كتبه بعض أهل السنة عن معتقدهم، ومناقشة ذلك.
ولقد كتب أسلافنا عن الاثني عشرية، وهي التي يسمونها بالرافضة، وكان لمصنفاتهم أثرها، كما في كتابات أبي نعيم، وشيخ الإسلام ابن تيمية، المقدسي، والفيروزآبادي، وما في كتب الفرق والعقيدة، ولكن تلك الكتابات كانت قبل شيوع كتب الشيعة وانتشارها، وجملة منها يحمل صفة الرد على بعض مؤلفات الشيعة، ولا تدرس الطائفة بعقائدها وأفكارها بشكل شامل.
كما أن الاثني عشرية لمهارتها في التقية، قد خفي أمرها؛ حتى نجد في شرح صحيح مسلم القول بأن الإمامية لا تكفر الصحابة، و إنما ترى أنهم أخطأوا في تقديم أبي بكر [شرح صحيح مسلم: 15/ 174.]. ونرى شيخ الإسلام ابن تيمية على اهتمامه بالمذهب الرافضي ونقده، يقول: حدثني الثقات أن فيهم من يرى الحج إلى المشاهد أعظم من الحج إلى بيت الله [منهاج السنة: 2/124.].
بينما هذه القضية تجدها اليوم مقررة في أمهات كتبهم في عشرات الروايات والعديد من الأبواب.
كما أن أهم كتاب عند الشيعة وهو "أصول الكافي" لا تجد له ذكراً عند الأشعري، أو ابن حزام، أو ابن تيمية، وهو اليوم الأصل الأول المعتمد عند الطائفة في حديثها عن الأئمة الذي هو أساس مذهبها.
وأيضاً فإن طبيعة هذا المذهب أنه يتطور من وقت لآخر، ويتغير من جيل لجيل، حتى أن الممقاني أكبر شيوخهم في هذا العصر يقول: إن ما يعتبر غلواً عند الشيعة الماضين أصبح اليوم من ضرورات المذهب [سيأتي بنصه في ص (373).]. هذه الطبيعة المتغيرة تقتضي التعرف على الوجه الحقيقي للاثني عشرية في عصرنا.
كما أن جل الردود التي تسود المصنفات التي كتبها الأئمة السابقون - رحمة الله عليهم أجمعين - هي على شبهات يثيرها الشيعة من كتب السنة نفسها؛ فيرد عليها أهل السنة مبينين أن تلك النصوص التي يتمسك بها الشيعة إما موضوعة، وإما ضعيفة، أو بعيدة عن استدلالهم الفاسد.
ولكن الشيعة لا تؤمن بكتب أهل السنة كلها أصلاً، وهي تثير هذه الشبهات إلى اليوم لتحقيق أمرين:
الأول: إشغال أهل السنة بهذه الشبهات، حتى لا يتفرغوا لنقد كتبهم، ونصوصهم، ورجال رواياتهم.
الثاني: إقناع الحائرين والمتشككين من أهل طائفتهم بدعوى أن ما هم عليه من شذوذ وهو موضع اتفاق بين السنة والشيعة.
ولكن كتب الشيعة اليم قد توفرت بشكل لم يعهد من قبل.. فينبغي أن تكون من أهم ركائز الدراسة والنقد؛ لأن الحجة على كل طائفة إنما تقام بما تصدقه وتؤمن به.
أما الكتابات المعاصرة من قبل أهل السنة عن الاثني عشرية فهي قليلة بالنسبة لما يكتبه الشيعة عن أهل السنة.
وهي بالنسبة للاثني عشرية لا تكفي، فمذهبهم قائم على مئات الكتب التي تخدم المذهب، وتدعو إليه، وتمثل فكره ووجهته، ودراستها ونقدها يحتاج لجهد أكبر، وعمل أوسع.
ولقد رأيت في هذه المؤلفات أنها أغفلت جوانب مهمة في دراسة الاثني عشرية؛ كعقيدتهم - مثلاً - في أصول الدين، وهو ما حاولت القيام بدراسته في الباب الثاني من هذه الرسالة.
كذلك معرفة آراء المعاصرين من الشيعة وتوجهاتهم، وصلتهم بالفرق القديمة، وكتبهم السابقة، وهو ما يتحدث عنه الباب الرابع.
والموضوع - حقيقة - كان من السعة والتشعب، بحيث يحتاج إلى دراسات جديدة ترتاد آفاقاً مازالت مجهولة في المذهب الاثني عشري، ولذلك نحوت في دراسة الموضوع منحاً علمياً تكشفت فيه معالم جديدة، لعل من أبرزها ما يلي:
أولاً: دراسة مذهب الاثني عشرية في أصول الدين وهي منطقة في معظم مسائلها مجهولة، لأن الشيعة يتسترون عليها، والباحثين من أهل السنة لم يطرقوها. وقد شكل ذلك باباً كاملاً في الرسالة هو الباب الثاني.
ثانياً: أماطت هذه الدراسة اللثام عن عقائد لم يطرقها أحد من قبل - حسب علمي - كعقيدة أن القرآن ليس حجة إلا بقيم، وأن جل القرآن نزل فيهم وفي أعدائهم، وعقيدة الظهور، والطينة [قد أشار الشيخ تونسوي في كتابه "عقائد الشيعة" إلى هذه العقيدة إشارة مقتضبة، ونقل نصاً واحداً من الكافي لا يصور هذه العقيدة بكاملها.]، ودعوى تنزل كتب إلهية على الأئمة [والباحثون يخلطون بينها وبين عقدية التحريف عند الشيعة.].
كما كشفت عن متى بدأت فرية التحريف في المذهب الاثني عشري، وأول كتاب سجلت فيه هذه الفرية، واكتشاف وضع هذا الكتاب ومتى وضع.
كذلك تم اكتشاف صلة شيخ الإسلام ابن تيمية ومنهاج السنة، بأكبر تحول في تقويم النصوص عندهم وتقسيمها إلى صحيح، وضعيف وموثق.
وحققت القول بوجود المهدي الذي يقوم عليه مذهب الاثني عشرية اليوم وعرض شهادات مهمة صادرة من أسرة الحسن العسكري، وأهل البيت والحسن العسكري نفسه، ومأخوذة من كتب الشيعة ذاتها.
وغير ذلك مما قد يجده الباحث في هذه الرسالة.
وإنني أذكر هذه المسائل حتى تتضح للقارئ مواضع الإضافة التي يمكن أن يفيد منها.. ذلك أنني حاولت أن أكتفي في المسائل المبحوثة بالإشارة أو الإتيان بنصوص جديدة، كما في مسألة تكفيرهم للشيخين، التي تجد النصوص التي تكشف تورط الشيعة فيها من خلال ما كتبه الشيخ موسى جار الله وإحسان إلهي ظهير، وغيرهما، فحاولت أن أقدم نصوصاً شيعية تعبر عن الشيخين برموز خاصة، ثم أوردت تفسيرها من كتب الاثني عشرية نفسها.
أما عن المنهج الذي حكم أسلوب معالجتي للموضوع، والجديد الذي يحتمل إضافته، فإن أبواب هذا البحث خير من يتحدث عنه، وإذا كان لابد من إشارات في هذا التقديم فأقول:
قد عمدت في بداية رحلتي مع الشيعة وكتبها ألا أنظر في المصادر الناقلة عنهم، وأن أتعامل مباشرة مع الكتاب الشيعي حتى لا يتوجه البحث وجهة أخرى.
وحاولت - جهد الطاقة - أن أكون موضوعياً، ضمن الإطار الذي يتطلبه موضوع له صلة وثيقة بالعقدية كموضعي هذا.
والموضوعية الصادقة أن تنقل من كتبهم بأمانة، أن تختار المصادر المعتمدة عندهم، وأن تعدل في الحكم، وأن تحرص على الروايات الموثقة عندهم أو المستفيضة في مصادرهم - ما أمكن -.
أما إنكار ما أقف عليه من منكر، بيان فساده، فهذا ليس خروجاً عن الموضوعية، بل هو جزء من واجب كل مسلم، فمن يتعرض لكتاب الله سبحانه، ويدعي فيه نقصاً وتحريفاً، أو يقول بأن علياً هو الأول والآخر والظاهر الباطن، وأمثال هذه الكفريات الظاهرة، لا تملك إلا أن تصمه بما يستحقه، وأن تظهر فداحة جرمه، وشناعة معتقده، وإلا كان في الأمر خداع وتغرير بالقارئ المسلم.
ولذلك فإنني أعرض لعقائدهم بمنهج نقدي، وحينما أجد أن المسألة تحتاج إلى دراسة نقدية أكثر تفصيلاً أعقد لذلك مبحثاً مستقلاً، ولا ألتزم ذلك دائماً؛ لأن في جملة من العقائد ما يكفي لمعرفة حقيقتها بمجرد عرضها، ولهذا ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن تصور المذهب الباطل يكفي في بيان فساده ولا يحتاج مع حسن التصور إلى دليل آخر، و إنما تقع الشبهة؛ لأن أكثر الناس لا يفهمون حقيقة قولهم وقصدهم لما فيه من الألفاظ المجملة المشتركة [مجموع فتاوى شيخ الإسلام: 2/138 (جمع الشيخ عبد الرحمن بن قاسم).].
ولذلك فإنني أحياناً أكتفي بمجرد تصوير حقيقة القول، والإشارة إلى بطلانه، ولا سيما في المسائل الجزئية، كما أنني في مسائل المذهب الكبار كمسألة النص أو الصحابة، أزيد على ذلك بنقد المقالة من خلال الكتاب والسنة، وأقوال أئمتهم، والأمور المعلومة، والمتفق عليها.
وأسلك بوجه عام في مناقشتهم منهج النقد الداخلي للنصوص؛ وذلك عن طريق مقارنة هذه النصوص بعضها ببعض وبيان ما بينها من تناقض ومفارقات - ما أمن ذلك -.
كما أنني أحياناً أناقشهم على وفق منطقهم، وبمقتضى مقرراتهم وقواعدهم، وعلى ضوء رواياتهم، ولا يعني هذا الموافقة على تلك الأصول، وقبول تلك الروايات؛ وإنما هو منهج في النقد، لكشف حقيقة المذهب، وخروجه عن أصوله، وعمله ببعض رواياته وترك الآخر.
ثم إنني في عرضي لعقائدهم ألتزم النقل من مصادرهم المعتمدة، لكن لا أغفل في الغالب ما قالته المصادر الأخرى. ووضع الأمرين أمام القارئ مفيد جداً للموازنة والمقارنة، ومعرفة مدى اطلاع الأوائل على معتقد الشيعة، ومقدار التغير في المذهب الشيعي عبر القرون.
كما قمت بتخريج ما يرد في البحث من الأحاديث والآثار، والتعريف بالفرق والملل، وبيان المصطلحات، وكذلك الترجمة للأعلام الذين لهم دور في تأسيس بعض عقائد الشيعة، أو ما تدعو حاجة البحث لمعرفته. أما الترجمة لكل عَلَمٍ يرد فهذا يشغل القارئ عن الموضوع الأساسي، وهو موضوع مكانه كتب التاريخ التراجم، ولذلك فإني التزمت التعريف بكل فرقة ترد؛ لأن هذا هو الأقرب للتخصص والموضوع.
ولقد اكتنفت دراستي عدة صعوبات:
أولها : أن كتب الرواية عند الشيعة لا تحظى بفهرسة، وليس لها تنظيم معين، كما هو الحال في كتب أهل السنة [يوجد عندهم "مفتاح الكتب الأربعة" عندي منه اثنا عشر مجلداً، إلا أن طريقة مؤلفه في ترتيبه تجعله أشبه بكتاب لا بفهرس.]، ولذلك فإن الأمر اقتضى مني قراءة طويلة في كتب حديثهم، حتى تصفحت البحار بكامل مجلداته، وأحياناً أقرأ رواية رواية، وقرأت أصول الكافي، وتصفحت وسائل الشيعة، وكانت الروايات التي أحتاج إليها تبلغ المئات في كل مسألة في الغالب.
فلا تستطيع أن تكتب عن هذه المسألة حتى تستكمل قراءة هذه الأخبار.
وأرجع كثيراً إلى شروح الكافي كشرح جامع للمازندراني، لفهم وجهة نظر شيوخهم في الروايات.
ثانياً: رحلت في البحث عن الكتاب الشيعي إلى مصر، والعراق، والبحرين، والكويت، وباكستان، وحصلت من خلال ذلك على مصادر مهمة أفدت منها في أبواب هذا البحث وفصوله.
ثالثاً: طول المسافة الزمنية التي شملها البحث، والتي امتدت منذ نشأة الشيعة حتى اليوم، فأمامي عشرات الكتب الشيعية في مختلف العصور أمضيت وقتاً طويلاً في تتبعها، وملاحقة التطور العقدي للشيعة في امتدادها.
مصادر الرسالة:
وقد اعتمدت في دراستي عنهم على مصادرهم المعتبرة من كتب التفسير والحديث، والرجال، والعقائد، والفرق، والفقه، والأصول:
أ- ففي كتب التفسير رجعت إلى:
تفسير علي بن إبراهيم القمي، الذي قالوا عنه بأنه أصل أصول التفاسير عندهم [مقدمة تفسير القمي: ص 10.]. ووثق رواياته شيخ مشايخهم في هذا العصر الذي يلقبونه "بالإمام الأكبر" وهو أبو القاسم الخوئي، فقال: "ولذا نحكم بوثاقة جميع مشايخ علي بن إبراهيم القمي الذي روى عنهم في تفسيره مع انتهاء السند إلى أحد المعصومين" [أبو القاسم الخوئي/ معجم رجال الحديث: 1/63.]. والقمي عندهم ثقة في الحديث، ثبت معتمد [رجال النجاشي: ص 197.]، كان في عصر الإمام العسكري، وعاش إلى سنة (307ه‍) [الذريعة: 4/302، مقدمة تفسير القمي: ص 8.].
وكذلك تفسير العياشي الذي قال فيه شيخهم المعاصر - محمد حسين الطبطبائي: "أحسن كتاب ألف قديماً في بابه، وأوثق ما ورثناه من قدماء مشايخنا من كتب التفسير بالمأثور، فقد تلقاه علماء هذا الشأن منذ ألف عام إلى يومنا هذا من غير أن يذكر بقدح، أو يغمض فيه بطرف" [الطبطائي/ مقدمة حل الكتاب ومؤلفة: صاج.].
والعياشي هو محمد بن مسعود أبو النضر، عاش في أواخر القرن الثالث، وهو عندهم جليل القدر، واسع الأخبار، بصير بالروايات [الطوسي/ الفهرست: ص 163 –165؟].
وتفسير فرات بن إبراهيم بن فرات الكوفي، من شيوخهم في القرن الثالث وأوائل القرن الرابع [أغا بزرك الطهراني/ نوابع الرواة: ص 216.]. وقد وثقه شيخهم المجلسي فقال: "أخبار تفسير فرات موافقة لما وصل إلينا من الأحاديث المعتبرة" [بحار الأنوار: 1/ 37، وانظر في بيان أنه من مصادرهم المعتبرة عند القدامى والمعاصرين: مقدمة تفسير فرات، لمحمد علي الأوردبادي.].
هذه أهم كتب التفسير القديمة الموجودة اليوم بين أيديهم [بالإضافة إلى تفسير التبيان للطوسي، ومجمع البيان للطبرسي، والتي قال فيهما بعض شيوخهم بأنهما وضعا على أسلوب التقية - كما سيأتي -.]. وقد رجعت إليها في أثناء عرض عقيدتهم في القرآن وغيره، ولم أكتف بتوثيق المنقول منها، بل شفعت ذلك بما كتبه شيوخهم المتأخرون المعتمدون عندهم، مثل:
تفسير الصافي لشيخهم محمد محسن المعروف بالفيض الكاشاني، والذي يصفونه بـ "العلامة المحقق، المدقق، جليل القدر، عظيم الشأن" [الأردبيلي/ جامع الرواة: 2/42.].
والبرهان في تفسير القرآن لشيخهم هاشم بن سليمان البحراني (المتوفى سنة 1107 أو 1109ه‍) وهو عندهم العلامة الثقة الثبت المحدث الخبير والناقد البصير [انظر: أمل الآمل: 2/341، يوسف البحراني/ لؤلؤة البحرين ص 63، البلادي/ أنوار البدرين ص 137.].
ومرآة الأنوار ومشكاة الأسرار، أو مقدمة البرهان لشيخهم أبي الحسن بن محمد العاملي الفتوني ، تلميذ المجلسي صاحب البحار (ت 1140ه‍) قال عنه صاحب لؤلؤة البحرين بأنه كان محققاً مدققاً [يوف البحراني/ لؤلؤة البحرين: ص 107.]، وقال عنه صاحب روضات الجنات: "من أعاظم فقهائنا المتأخرين" [الخوانساري/ روضات الجنات: ص 658. ط: الثانية، الزرندي/ ترجمة المؤلف (المطبوع مع مقدمة مرآة الأنوار).]، ووصفه شيخهم النوري بالحجة وقال عن كتابه: "لم يعمل مثله" [مستدرك الوسائل: 3/385.]. ومثل ذلك قال صاحب الذريعة [أغابزرك/ الذريعة: 20/264.]، وغير ذلك من كتب التفسير عندهم التي رجعت إليها، وذكرتها تبعاً لما أشرت إليه ووثقته من كتبهم.
وأصحاب الكتب السابقة كلهم قالوا بتحريف القرآن، ولاشك أن من اعتقد ذلك فهو ليس من أهل القبلة، ولكني أنقل توثيقاتهم لشيوخهم.
ب- أما كتب حديثهم: (وهي رواياتهم عن الأئمة) فقد رجعت لمصادرهم المعتمدة عندهم وهي:
1- الكتب الأربعة: الكافي، والتهذيب، والاستبصار، ومن لا يحضره الفقيه، قال شيخهم المعاصر محمد صادق الصدر: "إن الشيعة... مجمعة على اعتبار الكتب الأربعة، وقائلة بصحة كل ما فيها من روايات ..." [الشيعة: ص 127.].
2- الكتب الأربعة المتأخرة وهي: الوافي، وبحار الأنوار، والوسائل، ومستدرك الوسائل، فتصبح مصادرهم الرئيسية ثمانية. قال عالمهم المعاصر محمد صالح الحائري: "وأما صحاح الإمامية فهي ثمانية، أربعة منها للمحمدين الثلاثة الأوائل، وثلاثة بعدها للمحمدين الثلاثة الأواخر، وثامنها لمحمد حسين المرحوم المعاصر النوري" [منهاج عملي للتقريب (مقال للرافضي محمد الحائري ضمن كتاب الوحدة الإسلامية: ص 233).].
وقد تحدثت عن هذه المصادر في فصل (عقيدتهم في السنة).
وأكثر ما رجعت إليه من هذه المصدر الثمانية كتابان هما: "أصول الكافي"، و"بحار الأنوار"؛ وذلك لأنهما أكثر اهتماماً بمسائل الاعتقاد، ولأن الشيعة تعلق عليهما أهمية بالغة.
قال الصدر عن الكافي: "ويعتبر (الكافي) عند الشيعة أوثق الكتب الأربعة" [الشيعة: ص133.]. وتبلغ أخباره (16199)، ولو لم يقم صاحب الكافي بجمع الروايات عن الأئمة في كتابه لما بقي منها إلا النزر اليسير.
وقال: يحكى أن الكافي عرض على المهدي فقال: "كاف لشيعتنا" [المصدر السابق: ص123، روضات الجنات، للخوانساري: 6/116، ومقدمة الكافي، لحسين علي: ص25.].
هذا ما يقوله الصدر، وينسبه للشيعة عموماً، ولهذا قال محب الدين الخطيب: "إن الكافي عند الشيعة هو كصحيح البخاري عند المسلمين" [الخطوط العريضة: ص 28.].
وقد يكون في كلام الخطيب هذا بعض التسامح؛ لأن غلوهم في الكافي أكثر، ألا ترى أنهم يقولون: إن الكافي ألّف إبان الصلة المباشرة بمهديهم وإنه عرض على "المعصوم" عندهم، فهو كما لو قال بعض أهل السنة: إنه صحيح البخاري تم عرضه على الرسول صلى الله عليه وسلم.. لأن الإمام عندهم كالنبي، ولذا قالوا: "كانت منابع اطلاعات الكليني قطعية الاعتبار، لأن باب العلم واستعلام حال تلك الكتب [التي جمع من خلالها الكافي.] بواسطة سفراء القائم [هو مهديهم المنتظر، وسفراؤهم: أبوابه الأربعة، كما سيأتي في فصل الغيبة.] كان مفتوحاً عليه لكونهم معه في بلد واحد، بغداد" [الحائري/ منهاج عملي للتقريب (ضمن كتاب الوحدة الإسلامية ص333). وانظر: ابن طاوس/ كشف المحجة ص 159.].
أما البحار فقالوا بأنه: "المرجع الوحيد لتحقيق معارف المذهب" [البهبودي/ مقدمة البحار: ص 19.] وعظموا من أمره، كما سيأتي من خلال صفحات هذه الرسالة [انظر: ص(164).].
3- ورجعت إلى كتب شيوخهم المعتمدين عندهم، والتي يعدونها في الاعتبار والاعتماد كالكتب الأربعة، منها:
أ- كتاب سليم بن قيس، وهو أول كتاب ظهر للشيعة، كما يقول ابن النديم [انظر: الفهرست ص219، الذريعة: 2/152، وفي رضات الجنات 4/67 زعم أنه "أول ما صنف ودوّن في الإسلام".]، وهو من أصولهم المعتبرة [انظر: بحار الأنوار: 1/32.]، ولنا وقفة مع هذا الكتاب ومؤلفه في أثناء الحديث عن فرية التحريف [انظر: ص(221).].
ب- كتب شيخهم أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه القمي (المتوفى سنة 381ه‍) مثل: إكمال الدين، والتوحيد، وثواب الأعمال، وعيون أخبار الرضا، ومعاني الأخبار، والأمالي وغيرها، وكتبه كلها "لا تقصر في الاشتهار عن الكتب الأربعة التي عليها المدار في هذه الأعصار" [بحار الأنوار: 1/26.]، ولا يستثنى من ذلك إلا خمسة كتب لم أرجع إليها [وهي: الهداية، وصفات الشيعة، وفضائل الشيعة، ومصادقة الإخوان، وفضائل الأشهر. (بحار الأنوار: 1/26).].
ج- كتب شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي (المتوفى سنة 460ه‍) وهي مثل كتب ابن بابويه في الاعتبار والاشتهار عندهم إلا كتاب واحد [وهو الأمالي (بحار الأنوار: 1/27).]. وغيرها من كتب شيوخهم، والتي تكلف شيخهم المجلي بتوثيقها في الجزء الأول من بحاره [ص:(29) وما بعدها.]، كما قد ألمحت ببعض توثيقاتهم لهذه الكتب في أثناء البحث، وأذكر توثيق الكتاب الذي لا أنقل منه إلا مرة واحدة في موضع النص المنقول.
د- رجعت إلى كتب العقيدة المعتمدة عندهم مثل:
1- اعتقادات ابن بابويه.
2- وأوائل المقالات للمفيد، وتصحيح الاعتقاد له أيضاً.
3- ونهج المسترشدين لابن المطهر الحلي.
4- والاعتقاد للمجلسي صاحب البحار.
5- وعقائد الإمامية للمظفر (من المعاصرين).
6- عقائد الإمامية الاثني عشرية للزنجاني (معاصر) وغيرها.
وفي عقائدهم التي تفردوا بها رجعت - بالإضافة لما مضى - إلى ما كتب عن هذه العقائد مستقلاً، ففي الغيبة - مثلاً - رجعت إلى كتاب الغيبة لشيخهم محمد بن إبراهيم النعماني، من شيوخهم في القرن الثالث، وقد قال المجلسي عن كتابه هذا: "وكتاب النعماني من أجلّ الكتب" [بحار الأنوار: 1/31.]، ثم نقل عن المفيد ما يتضمن الثناء عليه وتوثيقه [الموضع نفسه من المصدر السابق.].
وكذلك كتاب الغيبة للطوسي، وإكمال الدين لابن بابويه وغيرها.
وفي اعتقادهم في الرجعة، رجعت إلى ما كتبه شيخهم الحر العاملي في الرجعة وهو "الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة" وهكذا.
ه‍- وكذلك رجعت إلى ما كتبه بعض شيوخهم في المقالات والفرق، وهما "المقالات والفرق" لشيخهم سعد بن عبد الله الأشعري القمي المتوفى سنة (301ه‍)، و"فرق الشيعة" لشيخهم الحسن بن موسى النوبختي من شيوخهم في القرن الثالث. "وهما كتابان وصلا إلينا من بين كتب فرق الشيعة الضائعة" [محمد جواد مشكور، مقدمة كتاب المقالات والفرق للقمي: ص/ كا.].
و- وفي كتب الرجال رجعت إلى مصادرهم المعتمدة في ذلك، ولاسيما كتبهم الأربعة؛ لأنهم يقولون: "أهم الكتب في هذا الموضوع من مؤلفات المتقدمين هي أربعة كتب، عليها المعول في هذا الباب وهي:
1- معرفة الناقلين عن الأئمة الصادقين لأبي عمرو محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي (من شيوخهم في القرن الرابع) الذي يعرف بـ "رجال الكشي".
2- كتاب الرجال لأبي العباس أحمد بن علي النجاشي المتوفى سنة (460ه‍) المعروف بـ "رجال النجاشي".
3- كتاب الرجال لشيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي المتوفى سنة (460ه‍) المعروف بـ "رجال الطوسي".
4- كتاب "الفهرسيت للشيخ الطوسي" [أحمد الحسيني/ مقدمة رجال الكشي، ط: الأعلمي/ كربلاء، ص: 4، وانظر: حسن المصطفوى/ مقدمة رجال الكشي، ط: إيران ص12، أغابزرك/ الذريعة إلى تصانيف الشيعة: 10/80-81.].
وقد أكثرت في النقل من رجال الكشي، لأنهم يعدونه أهم كتبهم في الرجال، وأقدمها، وأوثقها؛ فهو من تأليف الكشي وهو عندهم "ثقة بصير بالأخبار وبالرجال حسن الاعتقاد" [فهرست الطوسي: ص 171-172.]. ومن تهذيب واختصار شيخ الطائفة الطوسي.
ولذا قال شيخهم المصطفوي: "أقدم هذه الكتب: هو رجال الكشي الذي لخصه شيخ الطائفة.. فكفى لهذا لكتاب المنيف شرفاً واعتباراً" [مقدمة المصطفوي لرجال الكشي: ص 12.].
والخلاصة: أنني لم أعمد إلا إلى كتبهم المعتمدة عندهم، في النقل والاقتباس لتصوير المذهب.
ولم أذكر من عقائدهم في هذه الرسالة إلا ما استفاضت أخبارهم به، وأقره شيوخهم.
وقد تكون الروايات من الكثرة فأشير إلى ذلك بذكر عدد الروايات وعناوين الأبواب في المسائل التي أتحدث عنها.
وأذكر ما أجد لهم من تصحيحات وحكم على الروايات بمقتضى مقاييسهم.
كل ذلك حتى لا يقال بأننا نتجه إلى بعض رواياتهم الشاذة، وأخبارهم الضعيفة التي لا تعبر عن حقيقة المذهب، فنأخذ بها.
واهتممت بالنقل "الحرفي" في الغالب رعاية للموضوعية، وضرورة الدقة في النقل والعزو، وهذا ما يفرضه المنهج العلمي في نقل كلام الخصوم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أ/علوي نصر العزازي

أ/علوي نصر العزازي


عدد المساهمات : 18
تاريخ التسجيل : 15/03/2011

صول مذهب الشيعة الإمامية الإثني عشرية Empty
مُساهمةموضوع: تابع أصول مذهب الشيعة الإمامية الإثني عشرية   صول مذهب الشيعة الإمامية الإثني عشرية I_icon_minitimeالخميس مارس 17, 2011 5:13 pm

خطة البحث :
يتكون هذا البحث من: تمهيد، وخمسة أبواب.
في التمهيد: التعريف بالشيعة، ونشأتها، وجذورها التاريخية، وفرقها، وألقاب الاثني عشرية، وفرقها.
أما الباب الأول: فموضوعه: اعتقادهم في مصادر الإسلام، وينتظم في ثلاثة فصول:
الفصل الأول: اعتقادهم في القرآن.
الفصل الثاني: اعتقادهم في السنة.
الفصل الثالث: اعتقادهم في الإجماع.
وفي الباب الثاني: درست اعتقادهم في أصول الدين في فصول أربعة:
الفصل الأول: اعتقادهم في توحيد الألوهية.
الفصل الثاني: اعتقادهم في توحيد الربوبية.
الفصل الثالث: اعتقادهم في توحيد الأسماء والصفات.
الفصل الرابع: اعتقادهم في الإيمان وأركانه.
أما الباب الثالث: فهو يتعلق بعقائدهم وأصولهم التي تفردوا بها.
ودرست فيه عقائدهم التالية:
1- الإمامية، وفيها عرضت لعقيدتهم في الصحابة، وأهل البيت، وحكام المسلمين، وقضاتهم، وعلمائهم، والأمصار الإسلامية وشعوبها، والفرق الإسلامية، والأمة.
2- العصمة.
3- التقية.
4- المهدية والغيبة.
5- الرجعة.
6- الظهور .
7- البداء.
8- الطينة.
أما الباب الرابع: فهو يتصل بالشيعة المعاصرين وصلتهم بأسلافهم، ويقع في أربعة فصول:
الفصل الأول: صلتهم بمصادرهم القديمة.
الفصل الثاني: صلتهم بفرقهم القديمة.
الفصل الثالث: الصلة العقدية بين القدامى والمعاصرين.
الفصل الرابع: دولة الآيات.
أما الباب الخامس: فهو يتعلق بالحكم عليهم، وأثرهم في العالم الإسلامي، ويتكون من فصلين:
الفصل الأول: الحكم عليهم.
الفصل الثاني: أثرهم في العالم الإسلامي.
ومن ثم الخاتمة؛ وفيها عرض لأهم النتائج التي توصل إليها البحث.
وفي ختام هذه المقدمة أدعو الله العلي القدير أن يغفر لشيخي وأستاذي الدكتور/ محمد رشاد سالم [هو العالم الفاضل الأستاذ الدكتور محمد رشاد بن محمد رفيق سالم، ولد في القاهرة عام 1347ه‍ وحصل على شهادة الدكتوراه عام 1379ه‍ في موضوع "موافقة العقل للشرع عند ابن تيمية"، وقد اهتم بنشر تراث شيخ الإسلام ابن تيمية ودراسة آرائه، وتبنى إخراج مكتبته العظيمة، وقد حقق منها كتاب "درء تعارض العقل والنقل" في أحد عشر مجلداً، وكتاب "منهاج السنة النبوية" في ثمان مجلدات، وكتاب "الصفدية" في مجلدين، و«الإستقامة» في مجلدين، وغيرها، وتوفي - رحمه الله - وهو يعمل في تحقيق كتاب "نقض التأسيس"، في القاهرة في شهر ربيع الآخر عام 1407ه‍.]، وأن ينزل عليه الرحمة والرضوان، ويتغمده بواسع عفوه وغفرانه، ويسكنه فسيح جناته، فقد تابع الرسالة منذ مراحلها الأولى إلى أن وصلت إلى مشارف النهاية، وأذن لي ببدء طبعها، ثم رحل عن هذه الدنيا - رحمه الله رحمة واسعة - وقد أفدت من توجيهه وعلمه، وغمرني بفضله وخلقه.
وقد قضى - رحمه الله - حياته في العلم والجهاد، وابتلي بالسجن مرتين، وترك آثاراً عظيمة النفع، وكان رحمه الله يؤمل أن يقيم مع تلامذته في القسم ما يسميه "مكتبة أهل السنة" وتتولى التعاون في إخراج كتب التراث في العقيدة، والتأليف في اعتقاد أهل السنة، والرد على الفرق الخارجة عن الجماعة.
وأسأل الله سبحانه أن يجزيه على نيته وعمله خير الجزاء، وأن يحقق آماله في تلامذته ليواصلوا الطريق بعده.
وأتوجه بالشكر والتقدير والعرفان بالجميل إلى شيخي الأستاذ الدكتور/ سالم بن عبد الله الدخيل، الذي وافق على استكمال الإشراف على الرسالة، وراجع مرحلها، وتابع خطواتها الأخيرة، واطمأن على سيرها.
وكانت توجيهاته وآراؤه خير رافد ومعين.
وأتقدم بأزكى الشكر وأطيبه لكلية أصول الدين ممثلة في عميدها ومجلسها، ولقسم العقيدة رئيساً وأعضاءً لرعايتهم للبحث، ومتابعة خطواته فجزاهم الله خير الجزاء.
وأدعو الله سبحانه أن يجزي بالخير كل من قدّم لي مساعدة في هذه الرسالة.. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
والحمد لله أولاً وأخرًا.

تمهيد:
ويشتمل على:
1- التعريف اللغوي للفظ الشيعة.
2- لفظ الشيعة في القرآن ومعناه.
3- لفظ الشيعة في السنة ومعناه.
4- لفظ الشيعة ومعناه في كتب الحديث عند الاثني عشرية.
5- لفظ الشيعة في التاريخ.
6- تعريف الشيعة في كتب الاثني عشرية.
7- تعريف الشيعة في كتب الإسماعيلية.
8- تعريف الشيعة في المصادر الأخرى.
9- التعريف المختار للشيعة.
10- نشأة الشيعة.
11- فرق الشيعة.
12- ألقاب الشيعة الإمامية الاثني عشرية.
13- فرق الاثني عشرية.

تعريف الشيعة
التعريف اللغوي:
يقول ابن دريد (المتوفى سنة 321ه‍): "فلان من شيعة فلان أي: ممن يرى رأيه، وشيعت الرجل على الأمر تشييعاً إذا أعنته عليه، وشايعت الرجل على الأمر مشايعة وشياعاً إذا مالأته عليه" [ابن دريد/ جمهرة اللغة: 3/63.].
وقال الأزهري (المتوفى سنة 370ه‍): "والشيعة أنصار الرجل وأتباعه وكل قوم اجتمعوا على أمرهم شيعة. والجماعة شيع وأشياع، والشيعة: قوم يهوون هوى عترة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ويوالونهم.
وشيّعت النار تشييعاً إذا لقيت عليها ما تذكيها به، ويقال: شيعت فلاناً أي: خرجت معه لأودعه، ويقال: شيعنا شهر رمضان بست من شوال أي: أتبعناه بها.. وتقول العرب: آتيك غداً، أو شَيعَهُ أي: اليوم الذي يتبعه، والشيعة التي يتبع بعضهم بعضاً، والشيع الفرق الذي يتبع بعضهم بعضاً وليس كلهم متفقين" [الأزهري/ تهذيب اللغة: 3/61.].
وقال الجوهري (المتوفى سنة 40ه‍): "تشيّع الرجل أي: ادعى دعوى الشيعة، وكل قوم أمرهم واحد يتبع بعضهم رأي بعض فهم شِيَع قال ذو الرُّمة: استحدث الركب عن أشياعهم خبراً [ديوان ذي الرمة ص: 4.].
يعني عن أصحابهم" [الصحاح: 3/1240، تحقيق أحمد عبد الغفور عطار.].
وقال ابن منظور (المتوفى سنة 711ه‍): "والشيعة أتباع الرجل وأنصاره، وجمعها شِيَعٌ، وأشياع جمع الجمع، وأصل الشيعة: الفرقة من الناس، ويقع على الواحد والاثنين والجمع والمذكور والمؤنث بلفظ واحد ومعنى واحد، وقد غلب هذا الاسم على من يتولى علياً وأهل بيته، حتى صار لهم اسماً خاصاً، فإذا قيل: فلان من الشيعة عرف أنه منهم، وفي مذهب الشيعة كذا أي: عندهم، وأصل ذلك من المشايعة وهي المتابعة والمطاوعة.
والشيعة: قوم يرون رأي غيرهم، وتشايع القوم صاروا شيعاً، وشيّع الرجل إذا ادعى دعوى الشّيعة، وشايعه شياعاً وشيّعه تابعه، ويقال: فلان يشايعه على ذلك أي: يقويه" [لسان العرب: مادة: شيع.].
وقال الزبيدي (المتوفى سنة 1205ه‍): "كل من عاون إنساناً وتحزب له فهو له شيعة، وأصل الشيعة من المشايعة وهي المتابعة، وقيل: عين الشيعة واو من شوع قومه إذا جمعهم. وقد غلب هذا الاسم (الشيعة) على كل من يتولى علياً وأهل بيته.. وهم أمة لا يحصون، مبتدعة، وغلاتهم الإمامية المنتظرية يسبون الشيخين، وغلاة غلاتهم يكفرون الشيخين، ومنهم من يرتقي إلى الزندقة" [تاج العروس: 5/405، وانظر من كتب اللغة (مادة شاع): القاموس: 3/47، البستاني/ قطر المحيط: 1/1100، وانظر: الطريحي/ مجمع البحرين: 4/355.].
فالشيعة ، والتشيع ، والمشايعة في اللغة تدور حول معنى المتابعة، والمناصرة، والموافقة بالرأي، والاجتماع على الأمر، أو الممالأة عليه. ثم غلب هذا الاسم - كما يقوله صاحب اللسان، والقاموس، وتاج العروس - على كل من يتولى علياً وأهل بيته. وهذه الغلبة.. محل نظر؛ لأنه إذا تأمل الباحث في المعنى اللغوي للشيعة والذي يدل على المتابعة، والمناصرة، ثم نظر إلى أكثر فرق الشيعة التي غلب إطلاق هذا الاسم عليها يجد أنه لا يصح تسميتها بالشيعة من الناحية اللغوية؛ لأنها غير متابعة لأهل البيت على الحقيقة بل هي مخالفة لهم ومجافية لطريقتهم..
ولعل هذا ما لاحظه شريك بن عبد الله حينما سأله سائل: أيهما أفضل أبو بكر أو علي؟ فقال له: أبو بكر. فقال السائل: تقول هذا وأنت شيعي! فقال له: نعم من لم يقل هذا فليس شيعياً، الله لقد رقي هذه الأعواد علي، فقال: ألا إن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، ثم عمر، فكيف نرد قوله، وكيف نكذبه؟ والله ما كان كذاباً [منهاج السنة: 1/7-8 تحقيق د. محمد رشاد السالم، وانظر: عبد الجبار الهمداني/ تثبيت دلائل النبوة: 1/63. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: وقد روي عن علي من نحو ثمانين وجهاً أنه قال على منبر الكوفة: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر، ورواه البخاري وغيره. انظر: منهاج السنة: 4/137، وقد جاء ذلك في كتب الشيعة أيضاً. انظر: تلخيص الشافي: 2/428 عن إحسان إلهي ظهير: الشيعة أهل البيت ص: 52.].
فالإمام شريك لاحظ أن غير المتابع لعلي لا يستحق اسم التشيع، لأن معنى التشيع وحقيقته المتابعة.. ولهذا آثر بعض الأئمة أن يطلق عليهم اسم الرافضة [انظر - مثلاً - الملطي/ التنبيه والرد: ص18، البغدادي/ الفرق بين الفرق ص: 21، الإسفراييني/ التبصير في الدين ص 16، السكسكي/ البرهان ص 36، وانظر الفرماني/ رسالة في بيان مذاهب بعض الفرق الضالة: الورقة 2 أ (مخطوط)، أبو الحسن العراقي/ ذكر الفرق الضوال: الورقة 12 أ (مخطوط).].
وقد لجأ المتابعون لأهل البيت على الحقيقة، والذين كانوا يلقبون بالشيعة، لجأوا إلى ترك هذا اللقب لما غلب إطلاقه على أهل البدع المخالفين لأهل البيت، كما يشير صاحب التحفة الاثني عشرية إلى ذلك فيقول: إن الشيعة الأولى تركوا اسم الشيعة لما صار لقباً للروافض والإسماعيلية، ولقبوا أنفسهم بـ "أهل السنة والجماعة" [التحفة الاثنا عشرية: ص 25-26 (مخطوط).].
لفظ الشيعة في القرآن ومعناه:
ومادة شيع وردت في كتاب الله العظيم في اثني عشر موضعاً [انظر: المعجم المفهرس لألفاظ القرآن ص 18.]، وقد أجمل ابن الجوزي [أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي التيمي البغدادي، المعروف بابن الجوزي، صاحب التصانيف الكثيرة في التفسير والحديث والفقه وغيرها، منها: جامع المسانيد، والمنتظم وغيرهما، توفي عام 597هـ. انظر: ابن العماد/ شذرات الذهب: 4/329 ، اليافعي/ مرآة الجنان: 3/489 -492 ، معجم المؤلفين: 5/157.] معانيها بقوله: "وذكر أهل التفسير أن الشيع في القرآن على أربعة أوجه:
أحدها: الفرق، ومنه قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا} [الأنعام، آية: 159.] وقوله: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الأَوَّلِينَ} [الحجر، آية: 1.] وقوله: {وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا} [القصص، آية: 4، قال ابن جرير الطبري {وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا} يعني بالشيع: الفرق، تفسير الطبري: 20/27، وانظر أبو عبيدة/ مجاز القرآن: 1/194.] وقوله: {مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا} [الروم، آية: 69.].
والثاني: الأهل والنسب، ومنه قوله تعالى: {هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ} [القصص، آية: 15 ، قال ابن قتيبة: ومعنى {هَذَا مِن شِيعَتِهِ} أي: من أصحابه بني إسرائيل (تفسير غريب القرآن ص329)، وانظر: أبو حيان/ تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب ص: 153.] أراد من أهله في النسب إلى بني إسرائيل.
والثالث: أهل الملة، ومنه قوله تعالى: {ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ} [مريم، آية: 69.]، وقوله: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ} [القمر، آية: 51.]، وقوله: {كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم} [سبأ، آية: 54.]. وقوله: {إِنَّ مِن شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيمَ} [الصافات، آية: 83.].
والرابع: الأهواء المختلفة، قال تعالى: {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً} [الأنعام، آية: 65.]" [ابن الجوزي/ نزهة الأعين النواظر: 376-377، وزاد الدامغاني وجهاً خامساً وهو: الشيع والإشاعة، واستشهد لهذا بقوله سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا} يعني أن تفشو الفاحشة، كما أن ابن الجوزي ذكر في الوجه الثاني أن من معاني الشيع الأهل والنسب، واستشهد لها بقوله سبحانه: {هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ}، بينما نجد الدامغاني ذكر أن من معاني الشيعة: الجيش، واستدل لذلك بنفس الآية. وقد اتفقا فيما سوى ذلك من معاني التشيع.].
ويشير ابن القيم [محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي الدمشقي، المعروف بابن قيم الجوزية، توفي سنة 751هـ، وله من التصانيف الكبار والصغار شيء كثير، منها: إعلام الموقعين، وزاد المعاد.] - رحمه الله - في نص مهم له إلى أن لفظ الشيعة والأشياع غالباً ما يستعمل في الذم، ويقول: ولعله لم يرد في القرآن إلا كذلك، كقوله تعالى: {ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا}، وكقولـه: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا}، وقوله: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم مِّن قَبْلُ}. ويعلل ابن القيم لذلك بقوله: "وذلك والله أعلم لما في لفظ الشيعة من الشياع، والإشاعة التي هي ضد الائتلاف والاجتماع، ولهذا لا يطلق لفظ الشيع إلا على فرق الضلال لتفرقهم واختلافهم" [بدائع الفوائد: 1/155. وهذا في الغالب لأنه ورد في القرآن: {إِنَّ مِن شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيمَ}.].
هذه ألفاظ الشيعة في كتاب الله ومعانيها، وهي لا تدل على الاتجاه الشيعي المعروف، وهذا أمر يدرك بداهة، ولكن الغريب في الأمر أن نجد عند الشيعة اتجاهاً يحاول ما وسعته المحاولة أو الحيلة أن يفسر بعض ألفاظ الشيعة الواردة في كتاب الله بطائفته، ويؤول كتاب الله على غير تأويله، ويحمل الآيات ما لا تحتمل تحريفاً لكتاب الله وإلحاداً فيه، فقد جاء في أحاديثهم في تفسير قوله سبحانه: {إِنَّ مِن شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيمَ} [الصافات، آية: 83.] قالوا: أي إن إبراهيم من شيعة علي [البحراني/ تفسير البرهان: 4/20، وانظر: تفسير القمي: 2/323، المجلسي/ بحار الأنوار: 68/12-13، عباس القمي/ سفينة البحار: 1/732، البحراني/ المعالم الزلفى ص: 304، الطريحي/ مجمع البحرين: 2/356، وقد نسبوا هذا التفسير - كذباً وافتراءً - إلى جعفر الصادق، ودينه وعلمه ينفيان ذلك.]، وهذا مخالف لسياق القرآن، وأصول الإسلام، وهو نابع عن عقيدة غلاة الروافض الذين يفضلون الأئمة على الأنبياء [انظر: البغدادي/ أصول الدين ص: 298، القاضي عياض/ الشفاء ص: 290، ابن تيمية/ منهاج السنة: 1/177.]، فهذا التأويل أو التحريف يجعل خليل الرحمن أفضل الرسل والأنبياء بعد محمد صلى الله عليه وسلم، يجعله من شيعة علي... وهو أمر يعرف بطلانه من الإسلام بالضرورة، كما هو باطل بالعقل، والتاريخ.. وهو من وَضع وضَّاع لا يحسن الوضع.. ولا يعرف كيف يضع.
والذي قاله أهل السنة في تفسير الآية والمنقول عن السلف أن إبراهيم من شيعة نوح عليه السلام وعلى منهاجه وسنته [انظر: تفسير الطبري: 23/69، تفسير ابن كثير: 4/13، تفسير القرطبي: 15/91، ابن الجوزي/ زاد المسير: 7/67.] وهذا التفسير هو الذي يتمشى مع سياق الآية، لأن الآيات التي قبل هذه الآية كانت في نوح عليه السلام، ويلاحظ أن مفسـري الشيعة من أخذ بقول أهل السنة، وأعرض عما قاله قومه في تأويل الآية [وهناك قول ضعيف في الآية نسب إلى الفراء بأن المعنى وإن من شيعة محمد لإبراهيم. قال الشوكاني: ولا يخفى ما في هذا من الضعف والمخالفة للسياق (فتح القدير: 4/401) وقال الألوسي: "وذهب الفراء إلى أن ضمير (شيعته) لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، والظاهر ما أشرنا إليه (وهو أن يعود على نوح عليه السلام) وهو المروي عن ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، والسدي، وقلما يقال للمتقدم: هو شيعة للمتأخر (روح المعاني: 23/ 99-100).].
لفظ الشيعة في السنة ومعناه:
ورد لفظ الشيعة في السنة المطهرة بمعنى الأتباع.. كما في الحديث الذي رواه الإمام أحمد في الرجل [هو: ذو الخويصرة التميمي.. أصل الخوارج. (انظر: مسند أحمد: 12/4).] الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم: "لم أرك عدلت.." قال فيه عليه الصـلاة والسلام: "سيكون له شيعة يتعمقون في الدين حتى يخرجوا منه".. الحديث [مسند أحمد: 12/3-5 قال عبد الله بن الإمام أحمد: ولهذا الحديث طرق في هذا المعنى صحاح. وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح (المصدر السابق)، ورواه ابن أبي عاصم في السنة: 2/454، قال الألباني: إسناده جيد ورجاله كلهم ثقات.]، وكذلك في الحديث الذي أخرجه أبو داود في المكذبين بالقدر.. وفيه: "وهم شيعة الدجال" [سنن أبي داود 5/67، فال المنذري: وفي إسناده عمر مولى غفرة لا يحتج بحديثه، ورجل من الأنصار مجهول (المنذري) مختصر أبي داود 6/61، ورواه أيضاً الإمام أحمد 5/407.].
فالشيعة هنا مرادفة للفظ الأصحاب، والأتباع، والأنصار.
ومن خلال مراجعتي لمعاجم السنة لم أر استعمال لفظ الشيعة على الفرقة المعروفة بهذا الاسم إلا ما جاء في بعض الأخبار الضعيفة أو الموضوعة والتي جاء فيها لفظ الشيعة كدلالة على أتباع علي، مثل حديث: "فاستغفرت لعلي وشيعته" [قال العقيلي: لا أصل له، وذكره الكناني من الأحاديث الموضوعة: (تنزيه الشريعة: 1/414).]، وحديث: "مثلي مثل شجرة أنا أصلها وعلي فرعها.. والشيعة ورقها" [أورده ابن الجوزي في الموضوعات: 1/397، والشوكاني في الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة ص: 379.]، وحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال لعلي: "أنت وشيعتك في الجنة" [وهو حديث موضوع، انظر: ابن الجوزي/ الموضوعات: 1/397، الذهبي/ ميزان الاعتدال: 1/421، ترجمة جميع بن عمر بن سوار، الشوكاني/ الفوائد المجموعة ص: 379.].
وقـد ورد في بعض الأخبار أنه سيظهر قوم يدعون الشيعة لعلي يقال لهم الرافضة [سيأتي بيان معنى الرافضة.]، فقد روى الإمام ابن أبي عاصم أربع روايات في ذكر الرافضة [مثل حديث: "بشر يا عليّ أنت وأصحابك في الجنة، ألا إن ممن يزعم أنه يحبك قوم يرفضون الإسلام يقال لهم: الرافضة، فإذا لقيتهم فجاهدهم فإنهم مشركون. قلت: يا رسول الله، ما العلامة فيهم؟ قال: لا يشهدون الجمعة، ولا جماعة ويطعنون على السلف"(السنة لابن أبي عاصم: 2/475) وهذا الحديث قد أورده الشوكاني في "لأحاديث الضعيفة"ص : 380-381.]، وقال الشيخ الألباني في تحقيقه لأسانيدها بأنها ضعيفة [انظر: السنة لابن أبي عاصم: 2/474-4766.].
وقد أخرج الطبراني - بإسناد حسن كما يقول الهيثمي - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يا علي سيكون في أمتي قوم ينتحلون حب أهل البيت، لهم نبز، يسمون الرافضة، قاتلوهم فإنهم مشركون" [مجموع الزوائد: 10/22، وانظر الحديث في المعجم الكبير للطبراني: 12/242، رقم ( 12998) ولكن في اسناده الحجاج بن تميم وهو ضعيف (انظر: تقريب التهذيب:1/152).].
وقد نبه شيخ الإسلام ابن تييمة إلى كذب لفظ الأحاديث المرفوعة التي فيها لفظ الرافضة، لأن اسم الرافضة لم يعرف إلا في القرن الثاني [منهاج السنة: 1/8.]، وفي ظني أن هذا لا يكفي في الحكم بكذب الأحاديث، إذ لو صحت أسانيدها لكانت من باب الإخبار بما سيقع، وأن الله أخبر نبيه بما سيكون من ظهور الروافض، كما أوحى الله إليه بشأن ظهور فرقة الخوارج [ففي الصحيحين عشرة أحاديث فيهم، أخرج البخاري منها ثلاثة، وأخرج مسلم سائرها، وساقها جميعاً ابن القيم في تهذيب السنن: 7/148-153.]، وإن كانت بذرة الخوارج وجدت في حياته - عليه الصلاة والسلام – [كما دلت على ذلك بعض الأحاديث في قصة الرجل الذي قال للرسول صلى الله عليه وسلم وهو يوزع بعض الغنائم: اعدل يا محمد.. انظر الحديث في ذلك في صحيح البخاري (مع فتح الباري) ج12 ص290، وصحيح مسلم (بشرح النووي ) ج‍7 ص 165.].
لفظ الشيعة ومعناه في كتب الحديث الاثني عشرية:
وفي كتب الحديث عند الشيعة يتكرر في كثير من رواياتهم وأحاديثهم التي ينسبونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى الإمام على والحسن والحسين وبقية أئمتهم الاثني عشر [لأن مفهوم السنة عندهم هي ما قاله الرسول والأئمة الاثنا عشرية - كما سيأتي -.] يتكرر لفظ الشيعة كمصطلح يدل على فرقتهم، وعقيدتهم، وأئمتهم، ذلك أنهم يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي غرس بذرة التشيع وتعهدها بالسقي حتى نمت وأينعت [ففي أصول الكافي في مسألة النص على الأئمة من الله ورسوله والأئمة - كما يزعمون - ذكر ثلاثة عشر باباً ضمنها مائة وعشرة أحاديث. (أصول الكافي: 1/286-328).].. بل وصل بهم الأمر في هذا إلى وضع روايات تدل على أن لفظ الشيعة - كمصطلح لطائفتهم - معروف قبل زمن رسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فقد جاء في أحاديثهم تفسير قوله سبحانه: {وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيمَ} أي: إن إبراهيم من شيعة علي [مضى تخرجيه من كتبهم في هامش رقم (2) ص41.]، بل بلغ بهم الزعم إلى القول: "إن الله أخذ ميثاق النبيين على ولاية علي، وأخذ عهد النبيين على ولاية علي" [البحراني/ تفسير البرهان: 1/26.] وأن "ولاية علي مكتوبة في جميع صحف الأنبياء" [أصول الكافي: 1/437.]. إلى آخر هذه الدعاوى وسيأتي بسط ذلك في نشأة التشيع.
لفظ الشيعة في التاريخ الإسلامي:
في الأحداث التاريخية في صدر الإسلام وردت لفظ الشيعة بمعناها اللغوي الصرف، وهو المناصرة والمتابعة، بل إننا نجد في وثيقة التحكيم بين الخليفة علي، ومعاوية - رضي الله عنهما - ورود لفظ الشيعة بهذا المعنى، حيث أطلق على أتباع علي شيعة، كما أطلق على أتباع معاوية شيعة، ولم يختص لفظ الشيعة بأتباع عليّ.
ومما جاء في صحيفة التحكيم: "هذا ما تقاضى عليه علي بن أبي طالب، ومعاوية بن أبي سفيان، وشيعتهما.. (ومنها): وأن علياً وشيعته رضوا بعبد الله بن قيس، ورضي معاوية وشيعته بعمرو بن العاص.. (ومنها): فإذا توفي أحد الحكمين فلشيعته وأنصاره أن يختاروا مكانه. (ومنها): وإن مات أحد الأميرين قبل انقضاء الأجل المحدود في هذه القضية فلشيعته أن يختاروا مكانه رجلاً يرضون عدله" [الدينوري/ الأخبار الطوال ص: 194-196 ، وانظر: تاريخ الطبري: 5/53 - 54، محمد حميد الله/ مجموعة الوثائق السياسية ص: 281-282.].
وقال حكيم بن أفلح - رضي الله عنه -: "لأني نهيتها - يعني عائشة - أن تقول في هاتين الشيعتين شيئاً" [هذا جزء من حديث طويل في صحيح مسلم في باب جامع صلاة الليل ومن نام عنه أو مرض: 2/168-170.]. وقد أورد شيخ الإسلام ابن تيمية هذا النص، ليأخذ منه دلالة تاريخية على عدم اختصاص عليّ باسم الشيعة في ذلك الوقت [انظر: منهاج السنة: 2/67 (تحقيق د. محمد رشاد سالم).].
وجاء في التاريخ أن معاوية قال لبسر بن أرطأة حين وجهه إلى اليمن:
"امض حتى تأتي صنعاء فإن لنا بها شيعة" [تاريخ اليعقوبي: 2/197.]؛ فإذن لم يظهر مصطلح الشيعة دلالة على أتباع عليّ فحسب حتى ذلك الوقت.
ويبدو أن بدء التجمع الفعلي لمن يدعون التشيع، وابتداء التميز بهذا الاسم بدأ بعد مقتل الحسين. يقول المسعودي: وفي سنة خمس وستين تحركت الشيعة في الكوفة [مروج الذهب: 3/100.]. وتكونت حركة التوابين، ثم حركة المحتار (الكيسانية) وبدأت الشيعة تتكون وتضع أصول مذهبها.. وأخذت تتميز بهذا الاسم.
من هنا يتضح أن اسم الشيعة كان لقباً يطلق على أية مجموعة تلتف حول قائدها، وإن كان بعض الشيعة يحاول أن يتجاهل الحقائق التاريخية ويدعي بأن الشيعة "هم أول من سموا باسم التشيع من هذه الأمة" [القمي/ المقالات والفرق ص: 15، النوبختي/ فرق الشيعة ص: 18.]، ويتناسى بأن معاوية أطلق أيضاً على أتباعه كلمة الشيعة، ولكن الوقائع التاريخية تقول بأن لقب الشيعة لم يختص إطلاقه على أتباع عليّ إلا بعد مقتل عليّ - رضي الله عنه - كما يرى البعض [محمد أبو زهرة/ الميراث عند الجعفرية ص: 22.]، أو بعد مقتل الحسين كما يرى آخرون [علي سامي النشار/ نشأة الفكر الفلسفي: 2/35.].

تعريف الشيعة اصطلاحاً
أ- تعريف الشيعة في كتب الإمامية الاثني عشرية:
1- يعرف شيخ الشيعة القمي [سعد بن عبد الله القمي، هو عند الشيعة جليل القدر، واسع الأخبار، كثير التصنيف، ثقة. من كتبه: الضياء في الإمامة، ومقالات الإمامية، توفي سنة (301ه‍) وقيل: (299ه‍).
انظر: الطوسي/ الفهرست ص: 105، الأردبيلي/ جامع الرواة: 1/355.] (المتوفى سنة 301ه‍) الشيعة بقوله: هم شيعة علي بن أبي طالب [المقالات والفرق ص: 3.]. وفي موضع آخر يقول: "الشيعة هم فرقة علي بن أبي طالب المسمون شيعة علي في زمان النبي صلى الله عليه وسلم وبعده، معروفون بانقطاعهم إليه والقول بإمامته" [المصدر السابق ص: 15.].
ويوافقه على هذا التعريف شيخهم "النوبختي" [الحسن بن موسى النوبختي: أبو محمد، متكلم، فيلسوف، قال الطوسي: كان إمامياً حسن الاعتقاد، له مصنفات كثيرة منها: كتاب الآراء والديانات. توفي بعد الثلاثمائة).
انظر في ترجمته: الطوسي/ الفهرست ص: 75، الأردبيلي/ جامع الرواة : 1/228، ابن النديم/ الفهرست ص177، القمي/ الكنى والألقاب: 1/148 ، معجم المؤلفين: 3/298، الذهبي/ سير أعلام النبلاء: 15/327.] حتى في الألفاظ نفسها [فرق الشيعة: ص 20، 17.].
مناقشة التعريف الأول :
هذا هو تعريف الشيعة في أهم كتب الشيعة وأقدمها الخاصة بالفرق. وهذا التعريف لا يشير إلى أي أصل من أصول التشيع عندا الاثني عشرية، والتي تعتبر في نظرهم لب التشيع وأساسه؛ كمسألة النص على علي وولده وغيرها (باستثناء ذكره في الأخيرة لإمامة علي فقط بدون ذكر النص أو بقية الأئمة).
- والتعريف الذي يغفل أصول التشيع التي أحدثها الشيعة فيما بعد هو من التعاريف السليمة لشيعة علي - رضي الله عنه - أو للشيعة الحقيقيين، وهو يخرج مدعي التشيع من حظيرة التشيع، لأنهم أحدثوا أصولاً لم يقلها أئمة أهل البيت، لكنه حسب مقاييس الاثني عشرية لا يعتبر تعريفاً للشيعة مع أن القمي والنوبختي من الشيعة الاثني عشرية.
- وهذا التعريف يدعي وجود "شيعة علي في زمن النبي صلى الله عليه وسلم" [ويسميهم فيقول: "منهم المقاداد بن الأسود، وسلمان الفارسي، وأبو ذر جندب بن جنادة الغفاري، وعمار بن ياسر، ومن وافق مودته مودة علي، وهم أول من سمي باسم التشيع من هذه الأمة" المقالات والفرق ص: 15، فرق الشيعة ص: 18.] ولا سند لهذه الدعوى من الكتاب والسنة، ووقائع التاريخ صادقة، والله سبحانه يقول: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلاَمُ} [آل عمران، آية: 19.] لا التشيع ولا غيره، والصحابة كانوا في عهده صلى الله عليه وسلم عصبة واحدة، وجماعة واحدة، وشيعة واحدة تشيعهم وولاؤهم لرسول الهدى صلى الله عليه وسلم.
2- التعريف الثاني :
يقول شيخ الشيعة وعالمها في زمنه المفيد [محمد بن محمد النعمان الكعبري الملقب بالمفيد، نال في زعمهم شرف مكاتبة مهديهم المنتظر، وله قريب من مائتي مصنف. قال الخطيب البغدادي: كان أحد أئمة الضلال. هلك به خلق من الناس إلى أن أراح الله المسلمين منه. ومات سنة (413ه‍). انظر في ترجمته: الطوسي/ الفهرست ص: 190، ابن النديم/ الفهرست، ص: 197، القمي/ الكنى والألقاب: 3/164، البحراني/ لؤلؤة البحرين ص: 356، وانظر: الخطيب البغدادي/ تاريخ بغداد: 3/231، ابن الجوزي/ المنتظم: 8/118.]، بأن لفظ الشيعة يطلق على".. أتباع أمير المؤمنين صلوات الله عليه، على سبيل الولاء والاعتقاد لإمامته بعد الرسول صلوات الله عليه وآله بلا فصل، ونفي الإمامة عمن تقدمه في مقام الخلافة، وجعله في الاعتقاد متبوعاً لهم غير تابع لأحد منهم على وجه الاقتداء" [أوائل المقالات ص: 39.]. ثم ذكر أنه يدخل في هذا التعريف الإمامية والجارودية الزيدية، أما باقي فرق الزيدية فليسوا من الشيعة، ولا تشملهم سمة التشيع [أوائل المقالات ص: 39.].
مناقشة التعريف الثاني:
1- لا نجد في تعريف المفيد هذا ذكراً للإيمان بإمامة ولد علي، مع أن من لم يؤمن بهذا فليس من الشيعة عندهم، كما أن هذا التعريف أغفل التصريح ببعض الجوانب الأساسية في التشيع والتي يربط الشيعة وصف التشيع بها كمسألة النص، والعصمة وغيرها من أصول الإمامية.
2- يلاحظ أنه نص في تعريفه على: إخراج الفرق المعتدلة من الزيدية ولا يصدق وصف التشيع في نظره إلا على غلاة الزيدية وهم الجارودية [الجارودية: فرقة من فرق الزيدية وتنسب إلى أبي الجارود زياد بن المنذر الهمداني الأعمى الكوفي. قال عنه أبو حاتم: كان رافضياً، يضع الحديث في مثالب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم... ومن مقالة الجارودية: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نص على علي - رضي الله عنه - بالإشارة والوصف دون التسمية والتعيين، وأن الأمة ضلت وكفرت بصرفها الأمر إلى غيره...
انظر في أبي الجارود والجارودية: رجال الكشي ص: 151، 229، 230 (وهي ست روايات في ذمه تضمن بعضها كونه كذاباً كافراً، ومع ذلك فمفيدهم ينظمه في سلك التشيع، لأن التشيع في تعريفه هو هذا الغلو..) وانظر: الطوسي/ الفهرست ص: 192، الأردبيلي/ جامع الرواة: 1/339، القمي/ الكنى والألقاب: 1/30، وانظر: ابن حجر/ تهذيب التهذيب: 3/386. وراجع: القمي/ المقالات والفرق ص: 18، النوبختي/ فرق الشيعة ص: 21، نشوان/ الحور العين ص: 156، المقريزي/ الخطط: 2/352، الشهرستاني/ الملل والنحل: 1/159، الملطي/ التنبيه والرد ص: 23، أحمد بن المرتضى/ المنية والأمل ص 20، 90، البغدادي/ الفرق بين الفرق ص: 30، الرازي/ محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين ص: 247، الأشعري/ مقالات الإسلاميين: 1/140.]، وليس ذلك فحسب، بل إنه فتح المجال في تعريفه لدخول الفرق الغالية كلها.
3- أما قوله في التعريف: "وجعله في الاعتقاد متبوعاً لهم غير تابع لأحد منهم على وجه الاقتداء" فهذا إشارة إلى أصل من أصول الاعتقاد عندهم وهو التقية، فعلي عند الشيعة في الظاهر تابع للخلفاء الثلاثة وفي الباطن متبوع لهم، فاتباعه للخلفاء - في نظر المفيد وشعيته - ليس على وجه الاقتداء وإنما على وجه التقية، وليس على وجه الاعتقاد وإنما على وجه الموافقة في الظاهر فقط.
4- أما قوله: "... بالاعتقاد بإمامة علي بعد الرسول صلى الله عليه وسلم بلا فصل" فهذا مبني على إنكار الشيعة لصحة خلافة الخلفاء الثلاثة، وقد شرح مفيدهم هذه الجملة، وفصل القول فيها في كتاب آخر [وهو كتاب الإرشاد أحد المصادر المعتمدة عند الاثني عشرية "اعتمد عليه علماء الإمامية المتقدمين والمتأخرين، واعتبروه من أهم المصادر في موضوعه وأعاروه عناية فائقة وأهمية كبرى…" مقدمة الإرشاد ص: 7، وانظر في توثيقه عندهم: بحار الأنوار 1/27.] له؛ حيث قال: "وكانت إمامة أمير المؤمنين بعد النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة سنة منها أربع وعشرون سنة وستة أشهر ممنوعاً من التصرف في أحكامها مستعملاً للتقية والمداراة، ومنها خمس سنين وستة أشهر ممتحناً بجهاد المنافقين من الناكثين والقاسطين والمارقين [ورد في "معاني الأخبار" لشيخهم ابن بابويه القمي: أن المراد بالناكثين: الذين بايعوا بالمدينة ونكثوا بيعته بالبصرة، والقاسطين: معاوية وأصحابه من أهل الشام، والمارقين: أصحاب النهروان. معاني الأخبار ص: 204.]، ومضطهداً بفتن الضالين، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة - كذا - سنة من نبوته ممنوعاً من أحكامها خائفاً ومحبوساً هارباً ومطروداً لا يتمكن من جهاد الكافرين ولا يستطيع دفعاً عن المؤمنين، ثم هاجر وأقام بعد الهجرة عشرة سنين مجاهداً للمشركين ممتحناً بالمنافقين إلى أن قبضه الله جل اسمه إليه، وأسكنه جنات النعيم" [الإرشاد ص: 12.].
فوصف التشيع لا يصدق - في نظر المفيد - إلا على من اعتقد خلافة علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ممتدة من حين التحاق الرسول بالرفيق الأعلى إلى أن توفي علي [ونجد شيخهم عبد الله شبر يؤكد في تعريفه للشيعة على هذا المعنى فيقول: "اعلم أن لفظ الشيعة يطلق على من قال بخلافة أمير المؤمنين - عليه السلام - بعد النبي صلى الله عليه وسلم بلا فصل" (حق اليقين: 1/195).]، ولا صحة لخلاف الخلفاء الثلاثة، فلا يصدق - حسب تعريفه- وصف التشيع بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا على ثلاثة من الصحابة، وباقي الصاحبة هم - في نظر الشيعة - كفار كالمشركين الذين عاصرهم الرسول صلى الله عليه وسلم ، والحكومة كافرة، وعلي يعيش بينهم متستراً بالتقية والنفاق [وسيأتي - إن شاء الله - ذكر شواهد ذلك في مبحث حكم منكر إمامة الاثني عشر.]، فأي إساءة إلى علي - رضي الله عنه - وإلى صحابة رسول الله - رضوان الله عليهم وإلى الإسلام أبلغ من هذا؟!.
3- التعريف الثالث للشيعة:
وإذا كان المفيد لا ينص في تعريفه للتشيع على مسألة النص والوصية، فإننا نرى في شيخهم الطوس [أبو جعفر محمد بن الحسين بن علي الطوسي هو عندهم شيخ الإمامية ورئيس الطائفة، وهو مؤلف كتابين من كتبهم الأربعة (التي هي كالكتب الستة عند أهل السنة) وهما: تهذيب الأحكام والاستبصار، توفي سنة (460هـ) وكانت ولادته سنة (385هـ).
راجع ترجمته لنفسه في الفهرست ص: 88-190، البحراني/ لؤلؤة البحرين ص: 293-304، القمي/ الكنى والألقاب: 2/357، وانظر: لسان الميزان لابن حجر: 5/135.] يربط وصف التشيع بالاعتقاد بكون علي إماماً للمسلمين بوصية من الرسول صلى الله عليه وسلم وبإرادة من الله [تلخيص الشافي: 2/56.].
فالطوسي هنا يجعل الاعتقاد بالنص هو أساس التشيع، ولهذا يخرج الطوسي السليمانية [السليمانية: فرقة من فرق الزيدية تُنسب إلى سليمان بن جرير الزيدي، وهي تسمى بالسليمانية عند كثير من أصحاب الفرق (انظر: مقالات الإسلاميين: 1/143، اعتقادات فرق المسلمين ص: 78، الملل والنحل: 1/159، التبصير في الدين ص 17).
ومن أصحاب الفرق من يسميها بالجريرية (الحور العين ص 156، الخطط/ المقريزي: 2/325)، وقد نص صاحب الفرق بين الفرق أنها تسمى بـ "السليمانية أو الجريرية". (الفرق بين الفرق ص 32)، ويسميها صاحب المنية والأمل أحياناً بالسليمانية ص: 90، وأحياناً بالجريرية ص: 90.] الزيدية من فرق الشيعة؛ لأنهم لا يقولون بالنص بل يقولون: إن الإمامة شورى، وإنها تصلح بعقد رجلين من خيار المسلمين، وإنها قد تصلح في المفضول.. ويثبتون إمامة الشيخين أبي بكر وعمر [الأشعري/ مقالات الإسلاميين: 1/143.]، ولم يخرجوهم من دائرة التشيع فحسب، بل اعتبروهم "نواصب" [انظر: الطوسي/ التهذيب: 1/364، الحر العاملي/ الوسائل: 4/288.]. ولم يكتفوا بذلك، فقد جاء في رجال الكشي أن الزيدية شر من النواصب [انظر: رجال الكشي ص: 459.]، ويجري هذا الحكم من الاثني عشرية على كل فرق الزيدية التي تقول برأي السليمانية كالصالحية والبترية [الصالحية: أصحاب الحسن صالح بن حي.].
ويذهب بعض شيوخهم المعاصرين إلى ما ذهب إليه الطوسي، فيقصر وصف التشيع على من يؤمن بالنص على خلافة علي، فيقول بأن لفظ الشيعة: "علم من يؤمن بأن علياً هو الخليفة بنص النبي" [محمد جواد مغنية/ الشيعة في الميزان ص : 15.].
ويلاحظ أن مسألة النص هي محل اهتمام الشيعة البالغ في القديم والحديث؛ فنرى - مثلاً - في القديم شيخهم الكليني يعقد في كتابه الكافي ثلاثة عشر باباً في مسألة النص على الأئمة يضمنها مائة وتسعة أحاديث [انظر: أصول الكافي: 1/286-328.]، ونرى في الحاضر أحد الروافض يؤلف كتاباً في ستة عشر مجلداً في حديث من أحاديثهم التي يستدلون بها على ثبوت النص على علي وهو حديث "الغدير" [سيأتي ذكره وتخريجه ومناقشته عند ذكر أدلة الشيعة في مسألة الإمامة.]. ويسمي كتابه باسم الغدير [كتاب الغدير لشيخهم المعاصر عبد الحسين الأميني النجفي، وهو مليء بالأكاذيب والطامات والكفر البواح. انظر: مسألة التقريب بين السنة والشيعة للمؤلف ص: 66 وما بعدها.]، فلا غرابة في أن يربط الشيعة وصف التشيع بقضية النص، لكن اللافت للنظر أن هذا الاهتمام والمبالغة يسري في كل عقائدهم التي هي محل استنكار وتكذيب من جمهور المسلمين، فتراهم في كل عقيدة من هذه العقائد التي هذا شأنها، يجعلونها هي عمود التشيع وأساسه، ويبالغون في إثباتها، ولكن حينما يعرف شيوخهم التشيع لا يذكرون هذه العقائد في التعريف مع أنهم يعلقون الوصف بالتشيع بالإيمان بها، ولا تشيع بدونها؛ كمسألة الرجعة مثلاً، قالوا في أحاديثهم: "ليس منا من لم يؤمن بكرتنا" [ابن بابويه/ من لا يحضره الفقيه: 3/291، الحر العاملي/ وسائل الشيعة 7/438، تفسير الصافي 1/347، المجلس/ بحار الأنوار : 53/92.]. ومع ذلك لا ترى لها ذكراً في تعريف التشيع، وكذلك مسألة العصمة، والإيمان بخلاف ولد علي وغيرها، بل تجد هذه المبالغة حتى في مسائل الفقه وقضايا الفروع كمسألة المتعة، قالوا: "ليس منا من لم.. يستحل متعتنا" [المصادر السابقة (نفس الصفحات).]. فالقوم ليسوا على منهج واضح سليم في ذلك.
4- تعاريف أخرى للشيعة:
وهنالك تعريفات أخرى للشيعة متفرقة في كتب الشيعة القديم منها والحديث لا تخرج عما ذكرنا [فمن هذا التعاريف ما يربط التشيع باتباع علي وتقديمه على غيره في الإمامة (انظر: شرح اللمعة: 2/228). ومنها ما يزيد على ذلك بوجوب الاعتقاد أنه الإمام بوصية من رسول الله وبإرادة من الله تعالى نصاً، كما يرى الإمامية، ووصفاً كما يرى الجارودية (موسوعة العتبات المقدسة المدخل ص: 91، عن هوية التشيع ص: 12).]. وهناك تعريفات أخرى اتجهت اتجاهاً خاصاً - في التعريف - لا يشير إلى أصولهم في التشيع المعروفة؛ فهذا شيخهم النجاشي [أحمد بن علي بن أحمد بن العباس بن محمد النجاسي، له كتاب الرجال الذي اعتمد عليها شيوخ الإمامية، توفي سنة (450هـ).
(انظر: الأردبيلي/ جامع الرواة: 1/54، القمي/ الكني: 3/199).] يعرف بالشيعة بقوله:
"الشيعة الذين إذا اختلف الناس عن رسول الله أخذوا بقول علي، وإذا اختلف الناس عن علي أخذوا بقول جعفر بن محمد" [رجال النجاشي ص: 9.].
وإذا اختلف النقل عن جعفر بن محمد بماذا يأخذون؟
لا نجد في التعريف جواباً على ذلك.. إلا إن كان هذا التعريف يشير في توقفه عند جعفر بن محمد إلى أن النقل عنه لا يختلف، وهذا خلاف الواقع وخلاف المأثور عن جعفر بن محمد حتى في كتب الشيعة نفسها.. أم إن هذا النص موضوع في حياة جعفر بن محمد فتوقف عنده ونقله النجاشي، وأيا كان فهو لا يشير إلى الأئمة الذين هم قبل جعفر، كما لا يشير إلى الأئمة بعده..
ثم إن في هذا التعرف خروجاً عن منهج الإسلام، فهو يقول بأن الناس إذا اختلفوا في النقل عن رسول الله لا يؤخذ بمقاييس الترجيح المعروفة في اختيار النقل الصحيح.. بل يؤخذ بقول علي. وإذا اختلف النقل عن علي يؤخذ بقول جعفر... هكذا يقولون، ثم لماذا لا يختلف القول عن جعفر، ويختلف القول عن الله وعلي؟.. وهل جعفر أفضل منهما؟!
وثمة تعريفات أخرى في كتب الاثني عشرية تجعل التشيع والشيعة مرادفة للتقوى والصلاح والاستقامة. قال أبو عبد الله: "ما شيعتنا إلا من اتقى الله وأطاعه، وما كانوا يعرفون إلا بالتواضع والتجشع والأمانة" [سفينة البحار: 1/733.]. وقال: "إنما شيعة علي من عف بطنه وفرجه، واشتد جهاده، وعمل لخالقه، ورجا ثوابه، وخاف عقابه، فإذا رأيت أولئك فأولئك شيعة جعفر" [المصدر السابق: 1/732.] وقال أبو جعفر: "لا تذهب بكم المذاهب فوالله ما شيعتنا إلا من أطاع الله عز وجل" [أصول الكافي: 1/73.] [وقد نقل الشيخ موسى جار الله في آخر الوشيعة ص: 230 مثل هذه العبارات عن كتب الشيعة، ثم عقب عليها بقول: "هؤلاء الشيعة هم شيعة علي كانوا يعرفون بالورع والاجتهاد، واجتناب الصغائر والعداوة، وكان لهم محبة أول الأمة، دين هؤلاء الشيعة كان هو التقوى لا التقية، دين هؤلاء الشيعة كان هو الولاية لله الحق، لنبيه، لأهل بيته، ولصحبه، وللمؤمنين والمؤمنات كافة. أما أولئك الذين دينهم التقية والنفاق وعداوة الصحابة وبعض آل البيت والغلو في البعض الآخر فليسوا بشيعة بشهادة من تعتبرهم الشيعة أئمتها، وباعتراف كتب الشيعة نفسها. ولهذا سماهم الإمام زيد بالرافضة، لا الشيعة".].
ب- تعريف الشيعة في كتب الإسماعيلية:
ويقول أبو حاتم الرازي - وهو من أكبر الدعاة الإسماعيليين [هو: أبو حاتم أحمد بن حمدان بن أحمد الرازي، من كتبه: أعلام النبوة، الزينة وغيرهما. توفي سنة (322هـ).
انظر ترجته في: ابن حجر/ لسان الميزان: 1/164، وانظر: أعلام الإسماعيلية ص: 97.] - في كتابه "الزينة": "الشيعة لقب لقوم كانوا قد ألفوا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - صلوات الله عليه - في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرفوا به، مثل سلمان الفارسي، وأبي ذر الغفاري، والمقداد بن الأسود، وعمار بن ياسر، وكان يقال لهم: شيعة علي، وأصحاب علي.. ثم لزم هذا اللقب كل من قال بتفضيله بعده [قوله: "بعده" أي تفضيل علي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على سائر الصحابة، ويمكن أن يشمل هذا الإطلاق سائر الناس فيدخل فيهم الأنبياء، فيدخل في لقب الشيعة غلاة الروافض كما يدخل فيه من سواهم. ويتبادر معنى آخر وهو أنه يعني كل من قال بتفضيل علي مطلقاً بعده، أي بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، وهو قريب.] إلى يومنا، وتشعبت من هذه الفرقة فرق كثيرة سميت بأسماء متفرقة وألقاب شتى، مثل: الرافضة، والزيدية، والكيسانية وغير ذلك من الألقاب، وهم كلهم داخلون في جملة هذا اللقب الواحد الذي يسمي الشيعة على تباينهم في المذاهب وتفرقهم في الآراء" [الزينة: ص 259 (ضمن كتاب: "الغلو والفرق الغالية").].
ويلحظ في هذا التعريف أن المؤلف ادعى: أن لقب الشيعة أطلق على طائفة معينة من الناس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا ما لم يثبت تاريخياً، وانفرد بادعائه الشيعة، محاولة لإثبات أصالة مذهبهم وشرعيته.
ولنا وقفة عند هذه المسألة في مبحث نشأة الشيعة، كما يلحظ أنه جعل علاقة هؤلاء الصحابة بعلي بن أبي طالب أساسها الإلف، ولم يدع كغيره النص من الله ورسوله - كما تزعم الشيعة -.
ج- تعريف الشيعة في المصادر الأخرى:
1- تعريف الأشعري للشيعة:
ولعل من أقدم من عرف الشيعة من أصحاب المقالات والفرق (من غير الشيعة) الإمام الأشعري، حيث قال:
"إنما قيل لهم: الشيعة، لأنهم شايعوا علياً - رضوان الله عليه - ويقدمونه على سائر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم" [مقالات الإسلاميين: 1/65.].
مناقشة التعريف:
تعريف الأشعري هذا يتفق مع ما تذهب إليه المفضلة من الشيعة، وهم الذين يفضلون علياً على أبي بكر وعمر وسائر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. والشيعة الاثنا عشرية لا يعتبرون مجرد تقديم علي على سائر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كافياً في استحقاق وصف التشيع، بل لابد من الاعتقاد بأن خلافة علي بالنص.. وأنها بدأت بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم.. ولهذا أخرج الطوسي، والمفيد بعض فرق الزيدية من دائرة التشيع - كما مر -، ويمكن القول بأن تعريف الأشعري يشمل جميع أقسام الشيعة أو معظمها، ولا يقتصر على من قال بالنص كما يزعم الرافضة.
2- تعريف ابن حزم:
ومن أدق التعاريف للشيعة - في رأي البعض - تعريف ابن حزام [أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري، عالم الأندلس في عصره، ولد بقرطبة سنة 384ه‍ أو 383ه‍، وتوفي في الأندلس سنة (456ه‍) ومن آثاره: المحلى، والفصل وغيرهما.
انظر: المقري/ نفح الطيب: 2/283.] للشيعة حيث قال: "ومن وافق الشيعة في أن علياً - رضي الله عنه - أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحقهم بالإمامة وولده من بعده فهو شيعي، وإن خالفهم فيما عدا ذلك مما اختلف فيه المسلمون، فإن خالفهم فيما ذكرنا فليس شيعياً" [الفصل: 2/107.].
ويختار هذا التعريف أحد الروافض، ويعتبره من أدق التعاريف للشيعة، ويعرض عن تعاريف أهل نحلته، ويعلل الرافضي اختياره لتعريف ابن حزام على غيره بقوله: «ومما حدانا إلى تفضيل تعريف ابن حزم هو أن الاعتراف بأفضلية الإمام علي - رضي الله عنه - على الناس بعد رسول الله، وأنه الإمام والخليفة بعده، وأن الإمامة في ذريته هو أس التشيع وجوهره" [عبد الله فياض/ تاريخ الإمامية ص: 33.].
ولكن من يقرأ كلام الشيعة عن عقائدهم كالإمامة، والعصمة، والتقية وغيرها يرى أنهم يغالون في كل عقيدة من عقائدهم بحيث يربطون وصف التشيع بالإيمان بتلك العقيدة - كما سلف- ولعل هذا ما لاحظه الشهرستاني حينما قدّم لنا تعريفاً للشيعة يعتبر من أجمع التعاريف لأصول التشيع وأكثرها شمولاً.
3- تعريف الشهرستاني [محمد بن عبد الكريم بن أحمد أبو الفتح المعروف بالشهرستاني. قال السبكي: كان إماماً مبرزاً مقدماً في علم الكلام والنظر، برع في الفقه والأصول والكلام، ومن تصانيفه: الممل والنحل، نهاية الإقدام، وغيرهما. توفي سنة (548ه‍)، وكانت ولادته عام 467ه‍، وقيل: 479ه‍.
انظر: طبقات الشافعية: 6/128-130، مرآة الجنان: 3/284-290.]:
يقول الشهرستاني: "الشيعة هم الذين شايعوا علياً- رضي الله عنه - على الخصوص، وقالوا بإمامته وخلافته نصاً ووصية، إما جلياً، وإما خفياً، واعتقدوا أن الإمامة لا تخرج من أولاده، وإن خرجت فبظلم يكون من غيره، أو بتقية من عنده. وقالوا: ليست الإمامة قضية مصلحية تناط باختيار العامة وينتصب الإمام بنصبهم، بل هي قضية أصولية، وهي ركن الدين لا يجوز للرسل عليهم السلام إغفاله وإهماله، ولا تفويضه إلى العامة وإرساله.
ويجمعهم القول بوجوب التعيين والتنصيص، وثبوت عصمة الأنبياء والأئمة وجوباً عن الكبائر والصغائر. والقول بالتولي والتبري قولاً وفعلاً وعقداً إلا في حال التقية، ويخالفهم بعض الزيدية في ذلك" [الملل والنحل: 6/146.].
ومن هذا التعريف يتبين أن جميع فرق الشيعة - ما عدا بعض الزيدية - يتفقون على وجوب اعتقاد الإمامة، والعصمة، والتقية، وسنرى أن الاثني عشرية يقولون بعقائد أخرى كالغيبة، والرجعة، والبداء.. وغيرها.
كما ينبغي أن يلحظ أن الإمام زيداً وأتباعه لا يحكمون بعصمة الإمام، ولا يمنعون الأمة من تعيين من تختاره للإمامة، ولذا يجوّز الإمام زيد إمامة المفضول مع وجود الفاضل، ولا يقول بالتقية، وكأن الشهرستاني يشير إلى ذلك بقوله: "ويخالفهم بعض الزيدية في ذلك". على أن هناك من الزيدية من يقول بعصمة فاطمة، وعلي، والحسين [انظر: ابن المرتضى/ البحر الزخار ص: 96، المقبلي/ المعلم
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
صول مذهب الشيعة الإمامية الإثني عشرية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
شباب عائلة العزازى :: الفئة الأولى :: ساحة الحوار-
انتقل الى: