اعلم أن همزة الوصل تثبت ابتداءً وتُحذف في الدَّرَج ( أي وصلاً ) ، وكما أن الوقف أصله السكون ، كما قال الإمام الشاطبي :
والإسكان أصل الوقف وهو اشتقاقه
من الوقف عن تحريك حرف تعزلا
كان الابتداء بمحرَّكٍ ولا بد .
¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬وقد كره العرب الوقف على محركٍ والابتداء بالساكن ، فإذا كان الابتداء بساكن نحو قوله ( الأخلاء يومئذ ) ، ( الآن خفف الله عنكم ) احتيج إلى همزة الوصل للتوصل بها إلى الابتداء بالساكن ، وهذا فيما أعتقد سبب تسميتها بهمزة الوصل ، فلولا همزة الوصل ما صِيغ الابتداء باللام الساكنة .
وتأتي همزة الوصل في : الأسماء والأفعال .
فهي بالأسماء في القرآن الكريم في سبع كلمات وهي : اسم ، وابن ، وابنة ، واثنان ، واثنتان ، وامرئ ، وامرأة ، وتأتي في ثلاثة أسماء أُخر لكن ليس في القرآن منها شيء وهي : أست ، وابنُم ، وأيم يعني أيمُ الله .
وتقع في مصدر الفعل الخماسي كقوله ( لا انفصام لها ) ، وأيضاً في مصدر الفعل السداسي كقوله ( استكباراً في الأرض ) ، وقِس على ذلك ، وأيضاً في تعريف الأسماء ، كالقمر والشمس والليل ونحو ذلك .
أما في الأفعال الماضية فلا تقع إلا في الفعل الخماسي ، نحو قوله ( انطلقا ) وفي السداسي نحو( استخرجها ) ولا تقع في الرباعي نحو( أكرم ) ولا في الثلاثي نحو( أمر)، فمحلُّ ذلك همزة القطع ، وحركتها في الفعل الماضي إن بدأت بها مكسورة ، وفي فعل الأمر تقع في الثلاثي منه نحو ( اضرب ) ، وفي الفعل الخماسي نحو( انطلق ) ، وفي الفعل السداسي نحو( استكبروا ) ، ولا تقع في الأمر الرباعي نحو( أكرم ) فمحل ذلك همزة القطع .
وفي حكمها تفصيل :
فإن كان ثالث الفعل مضموماً نحو: اقتل ، اخرج ، انظر ، اعضض ، بشرط أن تكون الضمة أصلية بُدئ بها بالضم .
وإن كان ثالث الفعل مكسوراً كسرة أصلية أو مفتوحاً فتحة أصلية نحو: اضرب ، استغفر ، اتّبع ، اعلم ، بُدئ بها بالكسر ، وقلنا إن كان مفتوحاً بُدئ فيه بالكسر مخافة التباس فعل الأمر بالمضارع ومن أجل ذلك كسرناه في البدء .
وثمة أربعة أفعال في القرآن الكريم ثالثها مضموم ، ولكن يُبدأ فيها بالكسر ، وهي :
أولاً : ( ائتوا ) لأن أصلها ائتيوا .
ثانياً : ( امشوا ) لأن أصلها امشيوا .
ثالثاً : ( اقضوا ) لأن أصلها اقضيوا .
رابعاً : ( ابنوا ) لأن أصلها ابنيوا
و بُدئ فيها بالكسر لأجل الياء المحذوفة .
هذا ولا تأتي همزة الوصل في فعل مضارع أبداً ، ولا في أي حرف غير لام التعريف ، فاعلم ذلك .
قال الناظم :
وَابْدَأْ بِهَمْـزِ الْوَصْـلِ مِـنْ فِعْـلٍ بِضَـمْ
إنْ كَـانَ ثَالِـثٌ مِـنَ الفِـعْـلِ يُـضَـمْ
وَاكْسِـرْهُ حَـالَ الْكَسْـرِ وَالْفَتْـحِ وَفِـي
لاسْمَـاءِ غَيْـرَ الـلاَّمِ كَسْرَهَـا وَفِــي
يعني إن كان ثالث الفعل مكسوراً أو مفتوحاً كُسر بدءاً ، وفي الأسماء غير اللام يبدأ فيها بالكسر أيضاً .
ابْـنٍ مَــعَ ابْـنَـةِ امْــرِئٍ وَاثْنَـيْـنِ
وَامْــرَأةٍ وَاسْــمٍ مَـــعَ اثْنَـتَـيْـنِ
يعني يبدأ فيها بالكسر .
وأما قوله :
وَحَــاذِرِ الْـوَقْـفَ بِـكُـلِّ الحَـرَكَـهْ
إِلاَّ إِذَا رُمْــتَ فَـبَـعْـضُ حَـرَكَــهْ
يعني إذا وقفت فقف بالسكون المحض إلا في حالة الروم في المجرور والمرفوع كما تقدم في المدود فبعض حركة ، (إِلاَّ بِـفَـتْـحٍ أَوْ بِـنَـصْـبٍ ) أي يمنع الروم في المفتوح والمنصوب ، والفرق بينهما أن المفتوح في أول الكلمة وأثنائها والمنصوب في آخر الكلمة.
وقوله :
(وَأَشِـــمْ إِشَـارَةً بِالضَّـمِّ فِـي رَفْــعٍ وَضَــمْ)
أي لا تأتِ بالإشمام إلا في المرفوع والمضموم ، والمضموم ما كان في أول الكلمة وأثنائها ، والمرفوع ما كان في آخرها ، والمقصود حصر الوقوف في هذه الثلاثة : إما بالسكون ، وإما بالروم ، وإما بالإشمام (وَحَــاذِرِ الْـوَقْـفَ بِـكُـلِّ الحَـرَكَـهْ ) .
هذا ، ولهمزة الوصل فائدة أخرى ، وهي التي نعبر عنها بالتخلص من التقاء الساكنين ، وهو ما كان يسميه أشياخنا ( تخليص ) : أي الحركة المأتي بها للتخلص من التقاء الساكنين كـ ( محظوراً انظر ) و( خبيثةٍ اجتثت ) و( وقالتِ اخرج ) و( أنِ اعبدوا) .
إذ لولا همزة الوصل لحصل التقعر في القراءة وصعب النطق ( وقالتْ أخرج ) ( أنْ أعبدوا ) ( أنْ أمشوا ) ( قالواْ ألآن ) ، أرأيت كيف أن لهمزة الوصل فضل كبير ، فكما خدمتنا في الابتداء خدمتنا حالة وصلها في التخلص من التقاء الساكنين ، وإلا فمن ذا الذي يقرأ ( منيبٍ إدخلوها ) ( أو نصفه أو أنقص ) وهكذا.