باب التجويد
قال الناظم :
وَالأَخْــذُ بِالتَّـجْـوِيـدِ حَـتْــمٌ لازِمُ
مَــنْ لَــمْ يُـجَـوِّدِ الْـقُـرَآنَ آثِــمُ
و( حتم ) أي واجب و( لازم ) تأكيد لهذا الحتم أو حتم تأكيد للازم .
وقد سبق أن قلنا إن هذه الحتمية على من فسدت قراءته لذا فقد نسبه إلى الإثم فقال : (مَــنْ لَــمْ يُـجَـوِّدِ الْـقُـرَآنَ آثِــمُ).
وقوله :
(لأَنَّـــهُ بِـــهِ الإِلَـــهُ أَنْـــزَلاَ)
أي أن الله تعالى أنزل القرآن مجوداً مرتلاً ولذا قال لنبيه : ( فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ) ولم يقل فاتبع قراءته ، وقال ( ولا تعجل بالقرآن ) ، ولم يقل : ولا تعجل بالقراءة ، وقال
وإنك لتلقى القرآن ) ، فالقرآن إذاً نزل من عند الله تعالى مجوداً محكماً مرتلاً وهكذا منه إلينا وصلا .
فمن قرأ القرآن قراءة مخلة بالمعنى أو الإعراب فهو آثم وصلاته باطلة قال تعالى : ( ورتل القرآن ترتيلاً ) أي ائت به على تؤدة مبينة حروفه ، تامة وقوفه ، وأكد المصدر تعظيماً لشأنه وترغيباً في ثوابه وأي قارئ ترك ذلك دخل في حيز الخبر : ( رب قارئ للقرآن والقرآن يلعنه )( ) .
قال الناظم :
(وَهُــوَ أَيْـضًـا حِـلَْـيـةُ الـتِّــلاَوَةِ)
أي التجويد .
(وَزِيْــنَـــةُ الأَدَاءِ وَالْــقِـــرَاءَةِ)
والفرق بين الثلاثة :
أن التلاوة : قراءة القرآن متتابعاً كالأوراد ، والأسباع ، والدراسة .
والأداء : هو أخذ على الشيوخ .
والقراءة : تطلق عليهما فهي أعم منهما.
ومراتب التجويد ثلاثة :
ترتيل ، وتدوير ، وحدر :
فالترتيل : هو التأني بالتلاوة كما نسمعه في الإذاعات والحفلات .
والتدوير : هو ما نسميه اصطلاحاً بيننا بالمرتل .
والحدر : أسرع منه بقليل .
وهناك مرتبة رابعة وهي الهزرمة : والقراءة بها محرمة إلا في النفس للمذاكرة خوف النسيان .
قال الناظم :
( وهو) أي التجويد
(إِعْـطَـاءُ الْـحُـرُوفِ حَقَّـهَـا) بتوفية صفاتها وإخراجها
وقوله :
(وَرَدُّ كُـــلِّ وَاحِـــدٍ لأَصْــلِــهِ) أي مخرجه .
وقوله :
(وَاللَّـفْـظُ فِــي نَـظِـيْـرِهِ كَمِـثْـلـهِ) :
أي إن تلفظت بمثل الحرف السابق فاللاحق مثله فإن كان الأول مرققاً رققت الثاني أو مفخماً فخمت الثاني لتكون القراءة على نسق واحد .
وقوله :
(مُكَمِّـلاً مِــنْ غَـيْـرِ مَــا تَكَـلُّـفِ)
أي لا تنطع في القراءة ولا تقعر ولذا قال :
(بِاللُّطْـفِ فِـي النُّطْـقِ بِــلاَ تَعَـسُّـفِ)
فليحترز الترتيل عن التمطيط ، وفي الحدر عن الإدماج ، إذ القراءة كما قال أشياخنا كالبياض إن قلَّ صار سُمرة وإن زاد صار بَرَصاً ، قال صلى الله عليه وسلم : ( اقرؤوا القرآن بلحون العرب وإياكم ولحون أهل الفسق والكبائر )( ) ، ويعنى بذلك الحبيب صلى الله عليه وسلم : التعالي في القراءة ، والتنطع وزيادة المدود ، وإخضاع القرآن للموسيقى ، فإذا كانت الموسيقى هي الخاضعة للقرآن فلا بأس لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ليس منا من لم يتغن بالقرآن )( ) ، وقد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف على باب أبي موسى الأشعري مرة فلما صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح قال : ( يا أبا موسى لقد وقفت على بابك أستمع إلى قراءتك وحسن صوتك لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود ) ، فقال أبو موسى : ( بأبي أنت وأمي يا رسول الله لو علمت بوقوفك لحبرته لك تحبيراً )( ) أي لحسنت صوتي أحسن ، فدل على أن الصوت الجميل والموسيقى السمحة الطيبة التي لا تجحف بالقرآن مستحبة ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( فإنه سيجيء أقوام من بعدي يرجعون بالقرآن ترجيع الرهبانية والنوح لا يجاوز حناجرهم مفتونة قلوبهم وقلوب من يعجبهم شأنهم )( ) أعاذنا الله من ذلك بمنه إن شاء الله .
والفيصل في ذلك : أن القارئ إذا كان على علم بالموسيقى وتعمَّد القراءة بمقام ما من مقامات الموسيقى ؛ فإن كان متعمداً لذلك مع المحافظة على القرآن كره له ذلك تنزيهاً ، وإن تجاوز في التلاوة ، ومطط ، وزاد في المدود حرم ذلك ودخل في دائرة من يلعنه القرآن والعياذ بالله .
والمراد بالذين لا يجاوز حناجرهم من لا يعملون به أو يتدبرونه قال تعالى
كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب ).
قال الناظم :
(وَلَـيْـسَ بَيْـنَـهُ وَبَـيْــنَ تَـرْكِــهِ)
أي التجويد فرق .
(إِلاَّ رِيَـاضَــةُ امْـــرِئٍ بِـفَـكِّــهِ)
يعني بين صحة القراءة وعدمها رياضة الفم .
وكل ما مضى حتى الآن إنما هو بيان لمخارج الحروف وصفاتها وفضل التجويد وثوابه .