باب
مخارج الحروف
قال الناظم :
مَخَـارِجُ الـحُـرُوفِ سَبْـعَـةَ عَـشَـرْ
عَلَـى الَّـذِي يَخْتَـارُهُ مَــنِ اخْتَـبَـرْ
أي من اختبر ذلك من أهل المعرفة كالخليل بن أحمد( ) ، وستة عشر على قول سيبويه بإسقاط حروف الجوف ، وأربعة عشر على قول الفراء بإسقاط ذلك ، وجَعل مخرج النون واللام والراء واحداً ويصير أنواع المخارج خمسة :
الجوف ، والحلق ، واللسان ، والشفتين ، والخيشوم ، ويعمها الفم .
وإذا أردت معرفة مخرج الحرف : فسكنه وأدخل عليه همزة الوصل وأَصْغِ إليه ، فحيث انقطع صوته كان مخرجه ، هذا ضابط لجميع الحروف .
(فَأَلِـفُ الـجَـوْفِ ) ، أي مخرج الألف اللينة المعتلة ، الجوف : وهو الخلاء الداخل في فم فلا حيز له محقق .
(وأُخْتَـاهَـا) وهما الواو والياء الساكنتان سكوناً معتلاً ، فإذا سكنتا سكوناً أصلياً كان لهما حيز محقق ، والفرق بين المعتل والأصلي أن المعتل يجانسه ما قبله فيُكسر ما قبل الياء ويُضم ما قبل الواو، فإن تحركتا أو سكنتا سكوناً أصلياً كان لهما مخرج آخر كما سيأتي .
وقوله (وَهِــي) ـ يعني الألف وأختاها .
( حُــرُوفُ مَــدٍّ للْـهَـوَاءِ تَنْـتَـهِـي) أي تخرج من الخلاء في الفم وهو الجوف ثم ينتهي إلى الهواء أي خارج الفم ، وسميت حروف المد واللين لأنها تخرج بامتداد ولين ، أي بغير كلفة ، وذلك لاتساع مخرجها .
(ثُـمَّ لأَقْصَـى الحَـلْـقِ ) أي أبعده مما يلي الصدر (هَـمْـزٌ هَــاءُ).
(ثُــمَّ لِـوَسْـطِـهِ فَـعَـيْـنٌ حَـــاءُ) وقرئ لِوَسَطِه( ) .
(أَدْنَــاهُ غَـيْـنٌ خَـاؤُهَـا ) والأدنى أقرب الحلق .
فمخارج الحلق ثلاثة ، وحروفه ستة ، وقيل : سبعة على إدخال الألف من الحلق لأنها إذا يبست صارت همزة ، وإذا لانت فهي حرف مد ، وخروجها أصلاً من الحلق كذا قال الشاطبي( ) وبعضهم ، وتسمى هذه الحروف حلقية .
ثم لَمَّا فرغ من الحلق وحروفه أخذ في بيان مخارج اللسان وحروفه فقال :
(والْـقَــافُ أَقْصَـى اللِّسَـانِ فَـوْقُ ) أي فوق الحلق مما يلي الحنك الأعلى فهذا مخرج القاف .
(ثُــمَّ الْـكَـافُ أَسْفَـلُ) أي أسفل من ذلك أي تحت القاف من الحنك الأعلى ، ويسمى الحرفان لَهَوِيَّان لأنهما يخرجان من اللهة مع أقصى اللسان، واللهاة : هي اللحمة المشرفة على الحلق وجمعها ( لُهَىً ولهيات ، ولَهَوَات )( ) .
ثم قال (وَالْوَسْـطُ) وقرئت ( والوَسَط( ) ) ، (فَجِيـمُ الشِّـيـنُ يَــا) أي وسط اللسان مما يليه من وسط الحنك الأعلى مخرج الجيم ، والشين ، والياء .
وأعني بالياء المتحركة أو الساكنة سكوناً صحيحاً ، وإلا فقد مضى مخرج الياء إذا كانت معتلة ، وقدم بعضهم الشين على الجيم ، وتسمى هذه الأحرف الثلاثة شجرية لخروجها من شجر الفم وهو منفتح بين اللحيين .
(وَالـضَّـادُ مِــنْ حَافَـتِـهِ إِذْ وَلِـيَــا) الألف هنا للإطلاق .
(لاضْـرَاسَ) نقل حركة همزة الوصل إلى اللام ليستقيم النظم ، والمعنى أن الضاد مخرجها من حافتي اللسان ، والحافة من الجانب الأيمن أو الأيسر أوكليهما .
والكثرة الكاثرة ينطقون بالضاد من الحافة اليسرى ، وقليل من يجيدون نطقها من الحافة اليمنى ، وأقل وأعسر من يجيدون نطقها من الحافتين ، وقد قيل إن عمر ـ رضي الله تبارك وتعالى عنه ـ كان ينطق الضاد من الحافتين ، وهي أصعب الحروف نطقاً ، ولذا يستحب أن ينطق بها حسبما تسير ، قال تعالى
فاتقوا الله ما استطعتم )( ) ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
أنا أفصح من نطق بالضاد بيد أني قرشي )( ) ، وفى رواية ( بيد أني من قريش ) .
وتنطع الكثير في هذا الحرف حتى جعلوه ظاءاً ، فالبعض يقول : ( ولا الظالين ) وإذا سألته قال : أتحرى الضاد ، وهو تغيير لمعاني القرآن أعاذنا الله من ذلك ، وسيأتي قول الناظم رضي الله تبارك عنه :
وَالـضَّـادَ بِسْتِـطَـالَـةٍ وَمَـخْــرَجِ
مَيِّـزْ مِـنَ الـظَّـاءِ 00000000000
فإذا قلنا : ( ولا الظالين ) فأي فرق بين الضاد والظاء ؟ وإذا قلنا ( أنقظ ظهرك ) فأي فرق بين الضاد والظاء ؟ وهذا كله من بدع القراء في هذا الزمان أعاذنا الله من ذلك بمنه آمين .
ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم : ( بَيْدَ ) أي من أجل أني من قريش ، وهم أفصح العرب أي فأنا أفصح العرب صلى الله عليه وسلم .
قال :
(وَالـــلاَّمُ أَدْنَــاهَــا لِمُنْـتَـهَـاهَـا)
أي واللام من أدنى الحافة إلى منتهاها مما يلي الحنك الأعلى ، وذلك له حكمة فإن (اللام ) تأتي في القرآن الكريم على نوعين : نوع مغلظ ، ونوع مرقق ، فالمرقق من أدنى الحافة ، والمغلظ من منتهاها .
وقوله :
(وَالنُّـونُ مِـنْ طَرْفِـهِ تَحْـتُ اجْعَـلُـوا)
أي تحت اللام أي اجعلوا يا قراء تحت اللام مخرجها .
وقال :
(وَالــرَّا يُدَانِـيـهِ لِظَـهْـرٍ أَدْخَـلُـوا)
(وَالــرَّا يُدَانِـيـهِ ) أي يداني مخرج النون ومعنى يدانيه أي يقاربه .
و(أَدْخَـلُـوا) أي والراء أدخلوا إلى ظهر اللسان قليلاً ، وذلك لانحرافه إلى ( اللام) ويقضي هذا بتقديم ( الراء ) على ( النون ) وهو أولى ، وذهب يحيى والفراء وقطرب والجرمي إلى توحيد مخرج الحروف الثلاثة ، والأولى ما ذكره الناظم على ما يظهر .
وتسمى هذه الأحرف زلقية لخروجها من زلق اللسان وهو طرفه .
وقوله :
(وَالطَّـاءُ وَالـدَّالُ وَتَـا مِـنْـهُ )
أي هذه الأحرف الثلاثة تخرج من طرف اللسان أيضاً ومن أصول عليا الثنايا ، وتسمى الثلاثة نطعية لخروجها من نَطْع غَار الحنك الأعلى وهو سقفه.
وقوله :
(والصَّفِـيْـرُ مُسْتَـكِـنْ)
أي حروف الصفير وهي : الصاد ، والزين ، والسين .
وقوله :
( مستَكِنْ )
أي طرف اللسان مستكن بين الثنايا العليا والسفلى فلا هو إلى الثنايا العليا أقرب ، ولا إلى السفلى أقرب فهو بينها مستكن .
لذا قال :
(مِنْـهُ وَمِـنْ فَـوْقِ الثَّنَـايَـا السُّفْـلَـى)
وتسمى هذه الحروف أسلية ، وذلك لخروجها من أسلة اللسان أي مستدق طرفه ، وسيأتي معنى تسميتها بالصفير في الكلام على الصفات إن شاء الله .
وقوله :
(وَالـظَّـاءُ وَالــذَّالُ وَثَــا لِلْعُـلْـيَـا)
يعنى مخرج الظاء ، والذال ، والثاء من طرف اللسان ملتصقاً بأطراف الثنايا العليا ، وتسمى هذه الأحرف الثلاثة : لثوية نسبة إلى اللثة وهى اللحم النابت حول الأسنان.
وقوله:
(مِـنْ طَرَفَيْهِمَـا )
أي من طرف اللسان وطرف الثنايا العليا .
ويتضح من ذلك أن مخارج اللسان عشرة ، وحروفه ثمانية عشر .
ثم أخذ في بيان مخارج الشفتين وحروفهما فقال :
(وَمِـنْ بَـطْـنِ الشَّـفَـهْ)
أي السفلى مع أطراف الثنايا العليا مخرج الفاء .
0000000وَمِـنْ بَـطْـنِ الشَّـفَـهْ
فَالْفَـا مَـعَ اطْـرافِ الثَّنَايَـا المُشْرِفَـهْ
ونقل حركة الهمزة للساكن قبله ليتم النظم .
ثم قال :
(لِلشَّفَتَـيْـنِ الْـــوَاوُ بَـــاءٌ مِـيْــمُ)
بانفتاحهما من الأول وانطباقهما في الآخرين .
والواوالمعنية هي الساكنة سكوناً صحيحاً أوالمتحركة ، وإلا فقد مضى بيان مخرجها معتلة .
ثم قال (وَغُـنَّــةٌ مَخْـرَجُـهَـا الخَـيْـشُـومُ) .