الأنوار البهية
في حل الجزرية
تأليف
العلامة الشيخ
عبد الباسط حامد محمد
الشهير بـ
عبد الباسط هاشم
قال الناظم :
(الْحَـمْـدُ لـلَّـهِ) وَصَـلَّـى الـلَّــهُ
عَـلَــى نَـبِـيِّــهِ وَمُـصْـطَـفَـاهُ
بدأ بالحمد لِمَا أشرنا إليه من الحديث الوارد ، وحتى يُبَارك عمله ، ويكلل بالنجاح سعيه ، والصلاة من الله رحمات ورفع درجات ، ومن الملائكة استغفار ، ومن المؤمنين تضرع ودعاء .
وقال : ( على نبيه ) ولو قال على ( رسوله ) لكان أجود لأن كل رسول نبي وليس العكس ، ولو جمع بين الصلاة والسلام لكان أجود لكراهة الصلاة دون السلام ، قال تعالى ( يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً )( ) .
ومعنى ( ومصطفاه ) أي : خيرته لتحمل رسالته ، قال تعالى ( الله أعلم حيث يجعل رسالته).
( مُـحَـمَّـدٍ وَآلِـــهِ ) :
وهم مؤمنو بني هاشم ومؤمنو بني عبد المطلب على أصح الأقوال ، وأصله ( أهل) لتصغيره على ( أهيل ) قلبت الهاء همزة والهمزة ألفاً ، وقيل ( أَوَل ) لتصغيره على (أُوَيل ) قلبت الواو ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها ، ولا يستعمل إلا في الأشراف والعقلاء .
وأما ( وَصَـحْـبِــهِ ) فهو اسم جَمْع لصاحب عند سيبويه .
و( الصحابي ) في أصح الأقوال كل من لقي النبي صلى الله عليه وسلم ولو لحظة .
( وَمُـقْـرِئِ الْـقُـرْآنِ ) :
( المقرئ ) هو الذي تعلم على الأشياخ أو الأسانيد المتصلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذلك عكس القارئ ، وياء الجمع حذفت لالتقاء الساكنين.
( مَــعْ مُـحِـبِّـهِ ) :
طلب أن يعم الصلاة ويعم السلام جميع قراء القرآن العاملين به وجميع محبي القرآن ، ومحبي قراء القرآن .
( وَبَـعْــدُ إِنَّ هَــــذِهِ مُـقَـدِّمَــهْ )
بكسر الدال
( فِيـمَـا عَـلَـى قَـارِئِـهِ أَنْ يَعْـلَـمَـهْ )
غَيَّب الضمير ليدل على عظمة المضمر عليه أي القرآن ، والمعنى هذه أرجوزة تجمع فيها ما يجب علمه على قارئ القرآن من أحكام التلاوة .
(إذْ وَاجِـــبٌ عَلَـيْـهِـمُ )
أي على القراء .
( مُـحَـتَّــمُ ) تأكيد للوجوب .
(قَـبْـلَ الـشُّـرُوعِ ) أي في القراءة .
( أَوَّلاً أَنْ يَعْـلَـمُـوا )
أقول إن هذا الوجوب على من نقصت تلاوته نقصاً مخلاً بأحكام القرآن ، والنقص في التلاوة نوعان نقص يسمى
اللحن الجلي ) ، ونقص يسمى : ( اللحن الخفي ) :
فاللحن الجلي : كأن ينصب مرفوعاً أو يجر منصوباً ، فهذا هو اللحن الجلي ، فمثل هذا الصنف هو المعني بقوله : ( إذ واجب عليهم محتم ) .
أما أصحاب اللحن الخفي بأن ترك إخفاءاً أوترك مداً أو قَصَر لازماً ، أو أظهر إدغاماً أوترك إخفاءا ، فإن مثل هذا يُرشَد ولا يُتَحَتَّم عليه الوجوب ، بل يسن له أن يتعلم التجويد ليكون من المهرة بالقرآن طلباً للمنزلة العليا ، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة ، والذي يقرأ القرآن ويتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران )( ) ، ولم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قراءته فاسدة أو باطلة ، ومن هنا نعلم أن المعنيين بالوجوب المُحَتَّم هم أصحاب اللحن الجلي لا أصحاب اللحن الخفي .
.........................
........... أن يعلموا
مخارج الحروف و الصفات
ليلفظوا بأفصح اللغات
( المخارج ) : جمع مخرج ، والمخرج للحرف هو المكان الذي يخرج منه الحرف كاللسان ، أو الشفتين ، أو الجوف ، أو الحلق .
ويمثل ذلك : بمكان الميلاد للإنسان فإن عرف أين ولد ؟. وما بلده ؟ . فذلك بمنزلة المخرج للحرف ، ومادمنا قد عرفنا أين ولد ؟ وما بلده ؟ عرفنا صفته ، وكيفية معاملته ، وهل هو ضَيِّق الأخلاق ؟ . أم هو رحب الصدر ؟. أم هو سهل ، أم هو صعب ، وهكذا ... وهذا معنى المخارج والصفات .
وقوله :
( لِيَلْـفِـظُـوا بِـأَفْـصَـحِ الـلُّـغَــاتِ )
أي إذا علموا كيفية المخارج وأعدادها ، وكيفية الصفات وأعدادها ، قامت الحروف مقامها ، وأخذت حقها ومستحقها ، فكان لفظه بأفصح اللغات ، وهي لغة العرب .
قال صلى الله عليه وسلم
أُحِبُّ العرب لثلاث : لأني عربي ، والقرآن عربي ، ولسان أهل الجنة في الجنة عربي )( ) فأفصح اللغات أي اللغة العربية .
( مُحَرري ) أي واجب عليهم أن يعلموا ما ذكر حال كونهم محرري أي:محققي .
( التَّجوِيدِ وَالمَوَاقِفِ ) يعنى أن يعلموا مخارج الحروف وصفاتها ، والتجويد ، والوقف والابتداء .
سُئِلَ الإمام علي كرم الله وجهه عن قوله تعالى : ( ورتل القرآن ترتيلاً ) فقال : هو معرفة الوقوف ، وتجويد الحروف .
وقوله : ( والمواقف ) يعنى محال الوقوف ومحال الابتداء .
( وما الذي رُسِّمَ في المصاحف ) أي يعلموا علوم رسم المصحف ، كذا قرأناها (رُسِّمَ ) وقرئت ( ما الذي رُسِمَ في المصاحف ).
( من كل مقطوع وموصول بها ) ، أي يعلموا المقطوع والموصول .
( وتاءِ أنثى لم تكن تُكتَب بها ) أي يعلموا أقسام التاءات في القرآن الكريم ، وهى تنقسم إلى أقسام سنذكرها فيما بعد إن شاء الله .
والتجويد لغةً : التحسين .
واصطلاحاً : إعطاء كل حرف حقه ومستحقه مخرجاً وصفةً .
وطَريقه التَّلَقِّي من أفواه الشيوخ ، قال تعالى ( وإنك لتُلَقَّى القرآن من لدن حكيم عليم )( ) فقال : ( تُلَقَّى ) ولم يقل ( تسمع ) أو( تقرأ ) فالرسول صلى الله عليه وسلم يتلقاه عن جبريل ، وجبريل يَتَلَقاه عن اللوح المحفوظ ، واللوح المحفوظ عن رب العزة جل وعلا .
ومعرفة الوقف والابتداء والمرسوم في المصاحف من المقطوع والموصول وتاء التأنيث ، فإذا استكمل ذلك القارئ كان مجوداً حقاً .